للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها يعتب على المصريين أنهم زاهدون في جمال بلادهم، صادفون عنه، ويؤثرون الجلوس على المقاهي على التمتع بالرياض:

فما بال قومي لا يأخذون ... لتلك الجنان طريقًا سُوا

وما بال قومي لا ينزلون ... بغير جروبي وباراللوا

تراهم على نردهم عكفًا ... يبادر كل إلى ما غوى

وإلا ما جاء في ثنايا قصيدة بعث بها إلى صديق له في إنجلترا سنة ١٩٠٨ وفيها يقول:

والنيل مرآة تنفس ... في صحيفتها النسيم

سلب السماء نجومها ... فهوت بلجته تعوم

نشرت عليه غلاله ... بيضاء حاكتها تعوم

شفت لأعيننا سوى ... ما شبه منها الأديم

وقد كان أجدى على حافظ، وهو يملك بيانًا خلابًا متمكنًا من فصيح اللغة أن يعكف على الطبيعة المصرية يخلد آثارها، ويستقرئ جمالها، ولا سيما بعد أن كمم المنصب فاه، فلم يعد يطرق أبواب الشعر السياسي منذ أن عين بدار الكتب، ولو أن حافظًا اتجه هذه الوجهة لكان أثره في الأدب عظيمًا، ولكن أنى لحافظ أن يتجه إلى الطبيعة يتملى مفاتنها وهوالمشغول بالناس ومنادمتهم، ولعل الدكتور طه حسين وهو من المعجبين به قد وقف على سره إزاء الطبيعة وأنه لم يكن مهيأ لمناجاتها والتحدث إليها وإظهار جمالها حين قال:

"ولم يكن حافظ عظيم الثقافة ولا عميقها، فلم يكن من الممكن ولا من اليسير أن يتجه إلى تلك الفنون الشعرية الخالصة، التي تصل بين الشاعر وبين الطبيعة، والتي ليس للسياسة ولا للنظام عليها سلطان، ولم تكن في السماء ولا الرياض في الأرض ولا النيل ولا الصحراء تلهم حافظًا؛ لأن حافظًا لم يكن شاعر الطبيعة وإنما كان شاعر الناس١.


١ حافظ وشوقي ص٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>