للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحبته للجمال، لا نكاد نجد له في الطبيعة المصرية إلا قطعة واحدة من ثلاثة أبيات مسروقة من "ابن خروف" النحوي ونسبها إلى نفسه.

ما أعجب النيل ما أبهى شمائله ... في ضفتيه من الأشجار أدواح

من جنة الخلد فياض على ترع ... تهب فيها هبوب الريح أرواح

ليست زيادته ماء كما زعموا ... وإنما هي أرزاق وأرواح

ونفتش في ديوان ولي الدين يكن فلا نكاد نعثر على شيء من الوصف، ولا على وصف الطبيعة المصرية، كأنها ليست موجودة ألبتة، وقد علمت فيما سبق أنه كان غريبًا بشعوره عن مصر، وكان في شغل بسياسياته عن التملي في محاسن الطبيعة وفتنتها.

أما عبد المطلب فكان لفرط إعجابه بالعرب القدماء لا يزال يتغنى بالجزع، واللوى والرقمتين، ولعلع.

وحيّ بالجزع ركبًا زان منظره ... نور الربيع وصوب المزن ينسكب١

وساجل الورق في تلك الربى وأعد ... ذكر اللوى فلقلبي باللوى طرب

ويخيل إليك بعد أن تستقرئ شعره أنه لم ينشأ في صعيد مصر، ولم يتلق العلم في القاهرة ويرَ مناظر الجزيرة الخلابة، ويشاهد النيل وبعثه للحياة في كل جزء من أرض مصر، ومن تقله أرضها.

ومن العجب أن حافظ إبراهيم الذي لقب بشاعر النيل، لم يهتم بالطبيعة المصرية، ويصفها، وتقرأ ديوانه وتفتش فيه علك تعثر على أبيات ولو في ثنايا قصيدة فلا تجد شيئًا من هذا اللهم إلا أبياتًا جاءت عرضًا عند كلامه على نادي الألعاب الرياضية بالجزيرة، حين أقامة حفلة بدار "الأوبرا" سنة ١٩١٦، والتي يقول في أولها٢.

بنادي الجزيرة قف ساعة ... وشاهد بربك ما قد حوى

ترى جنة من جنان الربيع ... تبدت مع الخلد في مستوى

جمال الطبيعة في أفقها ... تجلى على عرشه واستوى


١ ديوان عبد المطلب ص١٨.
٢ ديوان حافظ ج١ ص٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>