ورثاء، وفخر، وما شاكل ذلك، وقلما انطلق فيه الشاعر، وتحرر من تلك القيود، وأفصح عن خلجات شعورهن وحر وجدانه، وإحساسه بالجمال؛ وإذا فعل فإنه لم يكن يملك الأداة المعبرة؛ لفقره في اللغة، وعدم مطاوعتها له؛ لأنه كان في عصر عمت في الجهالة، وغلبت العجمة على الشعراء والأدباء.
ولا شك أن في وصف الطبيعة المصرية والتغني بها ما يدل على إحساس شديد بمحبة الوطن، والتعليق به، والإعجاب بكل ما فيه، والإعجاب أول مراحل المحبة، وبدهي أن الشعراء في العصور المتأخرة لم يكن عندهم هذا الشعور الوطني، أو الإحساس القومي، فلم يلتفتوا إلى الطبيعة وما فيها من جمال وفتنة، وظل الأمر على هذا النوال حتى أتى البارودي، فأحيا الشعر العربي بعد مواته، وابتدأ في أول أمره محاكيًا ومقلدًا حتى تملك زمام اللغة، وناصية البيان، ومن هذا النوع التقليدي قوله في وصف الربيع قصيدته التي مطلعها:
ولا تحس وأنت تقرأ هذه القصيدة بأنه يصف جوًّا مصريًّا، ولا طبيعة مصرية، ولكنه مال بث أن التفت للريف المصري، فوضحت شخصيته، وظهرت الألوان المحلية، وأبدع إبداعًا عظيمًا في هذا الضرب من الوصف، فأحب الريف محبة ملكت عليه شغاف قلبه الحساس؛ فتراه يصف الصباح المشرق الندي، ويصف السحب، ويصف الناعورة، والقطن، والطيور المزقزقة في مثل قصيدته:
وقد وفينا البارودي حقه من الدرس في الجزء الأول من كتابنا، فلا داعي للتكرار، ولكننا نقول إنه أول من فطن في العصر الحديث لجمال مصر، وتغنى به في شعره؛ وإذا نظرنا إلى الشعراء بعده نجدهم يتفاوتون في هذا الباب، فإسماعيل صبري على الرغم من رقة حسه، ودقة ذوقه، وإرهاف شعوره؛