وقد فطن لهذا النوع من الوصف شعراء الغرب، وأدباؤهم، وقلما نجد شاعرًا غريبًا كبيرًا له في مناظر بلاده، وفي غيرها من مواطن الجمال في أوربا أكثر من قصيدة، وهذا النوع من الشعر فضلًا أنه من صميم الشعر القومي السياسي، فهو عمل فني خالص، ينطلق فيه الشاعر على سجيته، ولا يحفزه إليه إلا إشباع رغبته الفنية، وإحساسه بالجمال.
والطبيعة المصرية ليست مملة كما يزعم بعض الناس الذين يدافعون عن أوربا، ونزوحهم إليها كل عام، ففيها مفاتن ساحرة، وفي ريفهان ونيلها، وجداولها، وصحرائها، وشطآن بحارها، وآثارها التي تعد لقدمها جزءًا من هذه الطبيعة. ثم في شمسها الضاحية، وهوائها الرقراق، وأمسياتها، وتألق النجوم في سمائها، وبلابلها وأطيارها.
وقد فتن هذا الجمال شعراء مصر في القديم، وإن لم يفيضوا فيه فيقول محمد بن عاصم الموفقي قصيدته التي مطلعها:
اشرب على الجيزة والمقس ... من قهوة صفراء كالورس
ويقول البهاء زهير:
علاحس النواعير ... وأصوات الشحارير
ويقول علي بن موسى بن سعيد:
انظر إلى سور الجزيرة في الدجى ... والبدر يلثم منه ثغرًا أشنبا
تتضاحك الأنوار في جنباته ... فتريك فوق النيل أمرًا معجبًا
بيننا مفضضًا في جانب ... أبصرت منه في سواه مذهبًا
وكان الظن أن يلفت هذا الجمال البديع أنظار الشعراء في العصر الحديث، كما استرعى انتباه الشعراء في العصر القديم، ولكننا نعلم أنه قد انفضت فترة طويلة من الزمن ركد فيها الشعر العربي بعامة، ولم يبق منه إلا دماء يسير، وهذا الباقي في عصر الممالك وأوائل النهضة كان شعرًا تقليديًّا تغلب عليه الصنعة، والمحسنات اللفظية والمعنوية، وكان يقال في الأغراض التقليدية القديمة من مدح،