كأن الرمال على جانبيك ... وبين يديك ذنوب البشر
ولا عجب فشوقي كما ذكرنا آنفًا كان ذا شاعرية فذة، وحساسية مرهفة، وكان مولعًا بالجمال يهتز له أينما وجده، كما كان مولعًا بالعظمة، وقد رأى مصر تتميز بالجمال كما تتميز بالعظمة، فأعجب بها، والإعجاب أول مراتب الحب، بل أحبها حبًّا عميقًا.
أحبك مصر من أعماق قلبي ... وحبك في صميم القلب نام
سيجمعني بك التاريخ يومًا ... إذا ظهر الكرام على اللئام
لأجلك رحت بالدنيا شقيًّا ... أصد الوجه والدنيا أمامي
وهبتك غير هياب يراعا ... أشد على العدو من الحسام
ولم يقف شوقي من الطبيعة المصرية عند حد تصويرها وإسابغ من الحسام وإبرازها صورًا رائعة تفتن اللب والنظر والسمع، كما فعل البارودي، ولكن اندمج فيها وشخصها وبعثها حية، فأربى بذلك على من تقدمه وأعجز من أتى بعده.
ومن الشعراء الذين أبدعوا في وصف الريف المصري، والطبيعة المصرية بعامة أحمد محرم، ومن ذلك قوله في وصف القرية وجمالها من قصيدة طويلة مطلعها:
قم للصلاة على هدى وصلاح ... واسجد لربك فالق الإصباح
دنيا بدائع حسنها مجلوة ... في منظر بهج وجوّ صاح
هذا الجمال الأخضر انتظم القرى ... وأظلها من جاهه بجناح
كجناح جبريل يظل مرفرفًا ... في جوه المتقاذف الفياح
تلك الحياة لمن يريد لنفسه ... ما تشتهي من متعة ومراح
أما خليل مطران فله بعض قطع في وصف الطبيعة المصرية، ولكننا نشعر ونحن نقرأ شعر مطران في الطبيعة أن هواه كان في بلاد الشام مسقط رأسه، ومدرج طفولته، وأنه فتن بها الفتنة الكاملة، فلم تدع له نظرًا يرى به جمال أرض سواها، ولا قلبًا ويُتَيّم ويهيم بغيرها، وقد خلدها في شعره بأكثر من قصيدة،