للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحن إليها تحنانًا شديدًا، وتحس ذلك تشعر به في قوله حين ذهب إليها أول مرة بعد أن تركها وأقام بمصر.

يا وطنًا نفديه بالدماء ... والأنفس الصادقة الولاء

ما أسعد الظافر باللقاء ... والقرب بعد الهجر والجلاء

إن أك باكيا من السراء ... فإن طول الشوق في التنائي

وله في بعلبك وذكريات الطفولة قصيدة طويلة١ أضفى على أطلالها من روعة فنه، وصادق حسه، وفيض عاطفته ما يعشرك بشديد حنينه إليها، ومحبته لها، كما فعل شوقي في وصف الطبيعة المصرية: وهنا لا بد لنا من القول بأن العبرة ليست بوصف الطبيعة، ولكن بالعاطفة التي يلون بها شعره، فإذا وازنا بين شوقي ومطران في وصفيهما للطبيعة المصرية تجلت لنا محبة شوقي لمصر، وإبراز جمالها للأجيال من بعده في صورة بالغة الإبداع، رائعة الرواء، بينما تجاهل مطران هذه الطبيعة. أو نظر إليها نظرة سخط وغضب، أو إذا ألحت عليه بجمالها وهو الشاعر الفنان، واضطر إلى وصفها جاء شعره فاترًا، وخلوًّا من تلك المحبة والنظرة المعجبة، وعلى العكس من ذلك حين يتكلم عن لبنان أو سوريا، فهو بكثر التحنان إليهما ويقول في نهر "زحلة" قصيدة طويلة:

واهًا لذاك النهر خلّف لي ... عطشًا مذيبًا بعد مصدره

يا طالما أوردته أملي ... وسقيت وهمي من تصوره

تمتد أيام الفراق وبي ... ظمئي لذاك المنهل الشافي

وبمسمعى لهديره اللجب ... وبناظري لجماله الصافي

ويقول في لبنان:

يا منيت الأرز القديم ومربضًا ... يوم الحفاظ لكل ليث أصيبد

هذي إليك تحية من شيّق ... قد بان طوعًا عنك وهو كمُبعد


١ انظر الديوان ج١ ص٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>