يا مسقطًا للرأس في جنباته ... من حر شوقي جمرة لم تخمد
وقد زار مطران بلاد سوريا، وجابها بلدًا بلدًا، ووصفها في شعره: وصف كل مدينة وكل دسكرة، ولمس تربها، وقبله، وطاف بأبنيتها، يتزود منها قبل أن يرحل عنها١ ومن يكن في مثل حال مطران عسير عليه أن يجود في وصف الطبيعة المصرية أو آثارها القديمة الخالدة، بل لا يرى هذه الآثار رمز عظمة، ودليل فن، وقوة إرادة، وإنما هي مظهر ظلم وعسف وإرهاق وتسخير لشعب مسكين.
إني أرى عد الرجال ها هنا ... خلائقًا تكثر أن تعددا
فنظرته هذه تختلف عن نظرة شوقي المحب الذي يرى السيئات حسنات، ويفرغ ذوب قلبه عاطفة جياشة حين يتكلم عن مصر وأرض مصر وطبيعتها وآثارها. ولقد وصف مطران الطبيعة المصرية، ولكنه نظر في أغلب حالاته نظرة قائمة مفزوعة، كئيبة تدل على تبرم، ونفور منها، وعلى أن روح التشاؤم تسيطر على شعره، واستمع إليه يصف صعيد مصر إبان الصيف وقد يكون الصعيد في الصيف غير محمود، ولكن المحب يراه جميلًا والنيل ينساب ملتويًا يمنه ويسرة يتدفق خيرًا وبركة ويبعث الحياة خضرة نضرة على العابرين، وتأوى المدن والقرى إلى حضنه كما يأوى الصغار إلى أمهم الرءوم ويقل على ظهره المراكب رائحة غادية كالأب الكادح يحمل متاعب بنيه، من غير سأم ولا ضجر وتنتصب الآثار الناطقة بالحضارة العتيقة التي انبعثت على ضفتيه، والدنيا بعد وسنانة في فجر التاريخ، هذا هو الصعيد حين ينظر المرء إليه نظرة المتفائل، البشوش القلب، المحب لما يراه، ولكن مطران يقول: