أوقد الصيف في الصعيد لظاه ... فأجف الحقول والأجاما
وغدا الناس بين جو كثيف ... مرتديًا من الغبار غماما
وفلاة كأنما الرمل فيها ... شرر مد لمعة واضطراما
وكأن المياه في النيل تجري ... بخطى أبطأت ونهر تعامى
شبه ذوب الرصاص في الكير يطغي ... فإذا ما طغى برفق ترامى
وعرا الأعين الكلال، فإني ... نظرت حمرة رأت وقتاما
وكأن النعاس في عصب الأرض ... تمشي فكل ما دب ناما
وكأن الدمى التي صنعتها ... أمة القبط متعبات قيامًا
وقصيدته في وصف المساء بالإسكندرية، وهو على سيف البحر العظيم، لا تقل في تشاؤمها عن هذه القطعة، مع أنه لا يماري أحد في جمال الإسكندرية في الصيف، ولا في منظر الشمس وهي تغيب في البحر، ولكنه يقول في الغروب:
أو ليس نزعًا للنهار وصرعة ... للشمس بين مآتم الأضواء؟
أو ليس طمسًا لليقين ومبعثًا ... للشك بين غلائل الظلماء؟
أو ليس محوًا للوجود إلى مدى ... وإبادة لمعالم الأشياء؟
فهو ينظر إلى الدنيا وما فيها بمنظار أسود يحيل الجميل دميمًا، والمناظر الأنيقة الفتانة رديئة كثيبة، وليس العيب عيب الطبيعة، ولكنه عيب من ينظر إليها. ومطران في أحسن حالاته حين يصف الطبيعة المصرية تراه مبهمًا، لا يعطي اللون الخاص الذي يميز مصر عن سواها، وكأنما ينظر إلى شيء آخر غير مصر حين يصف منظرًا وصفًا فيه شيء من الإنصاف؛ وإذا أعطاك اللون الخاص، اقتضب الكلام وكأنما يفر من شيء يؤذيه. مثال ذلك وصفه لليلة مقمرة على ضفة النيل في الجزية، وهو منظر شعري خلاب، وكان من حق مطران وهو الشاعر المتفنن أن يصوره تصويرًا بارعًا، ولكنه لا يزيد عن ثلاثة أبيات خالية من العاطفة:
وليلة بدر صفا جوها ... وباح بسر السكون الحفيف
وألقت بسمع ظلال الرياض ... لنجوى قلوب بهن تطيف