للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأطبائها الأفذاذ، وهو ثروة معنوية عظيمة، وكنز ثمين؛ والشعب اليقظ الفطن المثقف، والحريص على منفعته هو الذي يوجه الأمة في مجموعها وجهة صحيحة نحو الرقي لا يسمح لأحد أن يعبث بمصالحه، أو يتغفله، أو يبرم أمرًا لا يرضيه. وللشعوب في أوربا مهابة عظيمة، يترضاها الزعماء والحكام والكتاب، ويسعى الكل جادين على إنهاضها ورقيها، فهي حصن الأمة حين الفزع، وقوتها التي ترهب بها أعداءها، لأن الشعب هو القوة العاملة الكادحة، وهو صاحب المنفعة المباشرة من رقي الأمة؛ ولقد تغيرت في القرن التاسع عشر عقلية الشعوب، ولم تعد ترضى الحكم المطلق، ولا أن تسام الخسف والهوان على يد حاكم مستبد، يمتص دماءها ويسخرها في سبيل شهواته وأطماعه، وطالبت جادة بالاشتراك في الحكم، وأن يؤخذ رأيها في كل صغيرة وكبيرة.

ولقد تأثرت مصر بهذه النزعة، ونعلم أن الثورة العرابية قد تطورت إلى المطالبة بالحكم النيابي ورفع الضيم عن الشعب، ولا ننسى حملة جمال الدين وصحبه علي إسماعيل، ثم علي توفيق، وقد رأينا كيف عم الفرح بلاد العرب والإسلام حين أعلنت تركيا الدستور في سنة ١٩٠٨، جهر شاعر مثل إسماعيل صبري بأن مصر لا بد أن تنال مثل ما نالت تركيا، وناشد عباسًا أن يعطي مصر نصيبها في الحكم النيابي، وجاهد مصطفى كامل ومحمد فريد، ورجال الحزب الوطني في أن يمصروا التعليم ويحافظوا على اللغة العربية، وعلى مظاهر القومية في الثقافة كما رأينا آنفًا، وأسهم الشعراء والأدباء في الحث على ذلك.

ومن المظاهر التي استحقت العناية -عناية المصلحين، وعناية الأدباء- مشكلة الفقر بمصر، فقد تخلف عن عهود الإقطاع أن حظي فريق من المصريين بثروة عريضة، وغنى فاحش، وأنفقوا بسرف، وعربدوا بدون وعي، بينما سواد الأمة في فقر مدقع؛ قد تخلفت عدة مشكلات اجتماعية نتيجة هذا التفاوت بين الطبقات، فازداد الغني غنى، والفقير فقرًا. والفقر يفضي إلى التسول والتشرد، وارتكاب الجرائم، وضعف الصحة بين العمال والفلاحين وهم لا يملكون القدرة على العلاج، كما أن الفقر يحرم الأمة ثروة معنوية كبيرة تفيدها في نهضتها حيث لا يمكن الفقراء من التعليم ويظلون في جهل عميم، وكان من أوضح

<<  <  ج: ص:  >  >>