للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما شاكل ذلك مما كان مألوفًا في النقد والمقاييس البلاغية المعروفة عند العرب.

ومن أمثلة هذا نقد محمد المويلحي لديوان شوقي ومنه نقده المشهور:

خدعوها بقولهم حسناء ... والغواني يغرهن النثاء

"فقوله: خدعوها يفهم منه أن المشبب بها غير حسناء؛ لأن الخداع لا يكون بالحقيقة، وإذا أردت أن تخدع الشوهاء فقل لها حسناء وهو ينافي قوله في البيت الثاني:

ما تراها تناسب اسمي لما ... كثر في غرامها الأسماء

وخدعوها بمعنى حتلوها وأرادوا بها المكروه من حيث لا تعلمه".

وقد جرى على هذا النهج كل النقاد حتى أولئك الذين نادوا بالتجديد في الأدب، ودعوا إلى بعض المذاهب الغربية، كانوا في النقد التطبيقي ينظرون إلى البيت الشعري في كثير من الأحيان بمقاييس البلاغة القديمة ترى ذلك عند الرافعي في نقده لشوقي، والعقاد وطه حسين في نقدهما لحافظ وشوقي، والعقاد في نقده للرافعي، والمازني في نقده لشكري، وإن كان للمجددين نظرات أخرى في القصيدة كلها من حيث بنائها ووحدتها وموضوعها وما بها من عاطفة وخيال كما سيأتي.

وكأني بهذه المدرسة المحافظة التقليدية الجديدة كانت تشعر بزحمة التيار الغربي وقوته، وأنه يحاول أن يعطي للشعر مفهومًا جديدًا ويحول مجراه القديم إلى مجرى آخر، فراح كل شاعر يقدم ديوانه بمقدمة يعرف فيها الشعر ويضع أسسه وأركانه وشروطه التي يصح بها، وهي تعاريف فيها شيء من الجدة والطرافة والخروج عن مفهوم الشعر في عصور الضعف والانحلال، ومحاولة الأخذ من الآراء الجديدة في الشعر كما عرفه الغربيون بالقدر الذي يتفق مع حقيقة الشعر ورسالته كما عرفه العرب وهم في عنفوان مجدهم.

وكأن أول من سن هذه السنة في العصر الحديث "البارودي"، وقد أتينا في الجزء الأول من هذا الكتاب على تعريفه للشعر وظهر لنا من مناقشته أنه لم يخرج به عن مفهوم العرب له.

<<  <  ج: ص:  >  >>