والحكام، وصرفوا همهم، واستعملوا مواهبهم في وضع الأشعار الوطنية وإرسالها في وصف الشئون السياسية التي تشغل الرأي العام، وقد لاحت "وطنيتي" في طليعة هذه النهضة الميمونة.
ومما يزيد سروري أن شعراء الأرياف وضعوا عدة أناشيد وأغانٍ في مأساة "دنشواي" وما نشأ عنها. وفي المرحوم مصطفى باشا كامل، ومجهوداته الوطنية، وفي موضوع قناة السويس، وأخذوا ينشدونها في سمرهم وأفراحهم على آلاتهم الموسيقية البسيطة، وهي حركة مباركة إن شاء لله تدل على أن مجهودات الوطنيين قد أثمرت، ووصل تأثيرها إلى أعماق القلوب في جميع طبقات الأمة، وتبشر باقتراب زمن الاستقلال، والتخلص من سلطة الفرد بإذن الله.
فعلى حضرات الشعراء أن يقعلوا عن عادة وضع قصائد المديح في أيام معلومة، ومواسم معدودة، وأن يستعملوا هذه المواهب الربانية العالمية في خدمة الأمة وتربيتها بدل أن يصرفوها في خدمة الأغنياء، وتملق الأمراء، والتقرب من الوزراء، فالحكام زائلون، والأمة باقية١.
إن هذا النداء الذي يوجهه زعيم سياسي للأدباء لدليل قوي على مبلغ ما يشعر به من فائدة الأدب الحي، والشعر الحماسي، وما عساه أن يفعله في نفسية شعب أرهقها المحتل، وأذلها واعتصر منها ماء الحياة والعزة؛ وأنه يريد من الشعر أن يؤدي رسالة الوطنية والقومية، وأن يلهب بحرارته تلك النفوس الميتة، حتى تشتعل، وتحرق بحرارة إيمانها، وقوة يقينها بحقها في الحرية سطوة الغاصب، وتذيب حديده ومدافعه. وكم من أمة بليت بما ابتليت به مصر من محنة الاحتلال، وسامها أعداؤها الهوان والخسف، ولقنت صغارها تلك الأناشيد الوطنية، التي تنفث في قلوبهم كراهية هذا العدو الغشوم، فكبروا وكبر معهم مقتهم لهذا الذي حرمهم ألذ ما تطمح إليه الإنسانية وهو الحرية فحركهم شعور واحد هو الحقد والبغض، وويل للعدو -مهما أوتي من البطش والسيطرة- إذا