للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجمعت عليه أمة تنبعث كل حركاتها عن كراهية له وحقد عليه، وتصمم في إرادة لا تفل، وعزيمة لا تكل، على طرده، وتحطيم أغلاله، فعلت هذا "أيرلندا" و"بولندا" وغيرهما من الشعوب التي نكبت في استقلالها حينًا من الدهر.

إنه كذلك يريد أن ينصرف الشعراء عن تمجيد الفرد إلى تمجيد الأمة، وإذا كان العرب قديمًا قد توجهوا بمديحهم للأفراد أمراء وخلفاء فلأن هؤلاء، وكانوا عنوان عزتهم، ومصدر فخارهم، وقادة لشعب حر مستقل لم يعرف العبودية والذلة؛ ولأنهم كانوا يمجدون فيهم صفات النبل والكرم والشجاعة ليكونوا مثلًا أعلى لشعوبهم١، ثم إنهم لم يكونوا في حاجة إلى تلك الأناشيد الحماسية، والشعر الوطني، وهم يتمتعون بالاستقلال والحرية ولكننا في أمس الحاجة إلى مثل هذا اللون من الشعر.

وقد كانت الحقبة التي ظهر فيها مصطفى كامل ومحمد فريد حقبة يقظة قومية، وقد لبى الشعراء نداء الوطن، ووصفوا آلامه وعبروا عن مشاعره وآماله، كما مر بك، ولكن الزعيم السياسي يرحب بديوان "وطنيتي" لأنه حوى شعرًا يعلي شأن الوطن في النفوس، ويوحي إليها بكراهية المحتل، والعمل على مقاومته وطرده، وهذا هو السبب في أنهم صادروا الديوان، وسجنوا فريدًا ستة أشهر وعبد العزيز جاويش ثلاثة أشهر.

كانت هذه الصيحة صيحة زعيم سياسي ربما لم يتح له أن يدرس الأدب الغربي دراسة عميقة أو أن يشغل به ولقد خاض في حديث الشعر والتجديد فيه عدد غير قليل من النقاد الذين تأثروا بالأدب الغربي. ودرسوه في مواطنه قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، درسوا الأدب التي كان موجودًا قبل الحرب لا الذي جد في خلالها وعقب انتهائها؛ لأن هذا الأخير كان أدبًا تافهًا يرمي إلى الترويح عن تلك النفوس التي اصطلت بنار الحرب أربع سنين كاملة، والتي شاهدت


١ انظر ص٦٨، ٦٩ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>