للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قداستها ومهابتها، وتملك نفس المشاعر فترتفع بك عن مستوى الحياة الدنيا إلى سماوات الخلد. ذلك بأن شوقي يهديك المعنى الذي كانت تلتمسه نفسك فلا تقع عليه، ويرسم أمامك بوضوح وقوة وسمو خيال ونبل عاطفة كل ما ينبض به قلبك، ويهتز له فؤادك"١.

ولم يكتف شوقي بهذا بل هو كما قدمت لك في غير هذا الموضع قد إبداع الإبداع كله في وصف الطبيعة المصرية، وإظهار جمالها، وفتن بها إلى حد العبادة.

وطنى لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه في الخلد نفسي

واستعرض تاريخ بلاده في خلال الحكم الإسلامي بقصائد رائعة، ووضع روايات عدة في تاريخ مصر القديم والحديث، وأفرد جزءًا خاصًّا من شعره لمجد العرب والإسلام، فشوقي من هذه الوجهة هو شاعر القومية المصرية وهو أسبق من كل هؤلاء الأدباء إلى وضع النموذج الصحيح، في الأسلوب العالي الممتاز في الأدب القومي. إن هذه الصيحات التي جأر بها هيكل كان يقصد بها المزيد من شوقي، والاحتذاء حذو شوقي من هؤلاء الشعراء الذين لم يحركهم جمال بلادهم. ولا شك أن شوقي وهيكل قد تأثرا في هذه الدعوة بما رأيا وقرءوا في الأدب الأوربي، ولعل "تاييس" لأناتول فرانس، و"كليوباترا" لإميل مورو "moreau" - وقد مثلتها سارة برنارد في سنة ١٨٩٠ وشوقي بعدُ طالب في باريس بعض ما أوحي إليه بهذا.

لقد كانت هذه النزعة على أشدها في فرنسا منذ أواسط القرن التاسع عشر، وظهرت عشرات الكتب: والروايات، والمسرحيات، والقصائد في تلك الحقبة تدعو إلى تمجيد الطبيعة وإلى استلهام التاريخ، وقد ظلت كذلك حتى الحرب العالمية الأولى، وقد عاصر شوقي وهيكل٢ كثيرًا من هؤلاء الأدباء والشعراء الذين أولعوا بالطبيعة والتاريخ، وشاهدا مسرحياتهم٣، فتأثرا بهم كل التأثر.


١ المصدر السابق.
٢ أخذ هيكل البكالوريا سنة ١٩٠٥ والحقوق سنة ١٩٠٩، وسافر إلى بارس سنة ١٩٠٩ ومكث بها حتى سنة ١٩١٣ حين نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي.
٣ إذا أردت ثبتًا بالكتب والمسرحيات والروايات الفرنسية التي تنزع هذه النزعة فارجع إلى mareel brau nschvig - notre في كتابه القيم. litterature etudee dans les textes t, ٢ p. ٧٧٣, ٧٣٣ ٧٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>