للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليست الدعوة إلى الأدب القومي هي كل ما عنى به هيكل، فقد رأى أن الأدب لا يقوم على الألفاظ والعبارات، بل بما يقدمه الأديب من الصور والمعاني، وما تبعثه هذه الصور والمعاني إلى النفس من لذائذ، وإلى المشاعر من اهتزازات، وإلى الخيال من الصور، وإلى الذهن من التفكير، وهذه النفوس القوية لا يمكنها أن تفيض بهذا الإلهام إلا إذا كانت تمثل بيئة خاصة أو عصرًا خاصًّا كما فعل هوميروس، وفيرجيل، وشكسبير، وفولتير، وجوتيه، حيث خلدوا على الرغم من تطور الحياة، وتقدم الحضارة في العالم؛ لأن نفوسهم مثَّلت أمة خاصة وعلمًا خاصًّا، فانطبعت فيها الصفات الخالدة لأممهم؛ والتي لا يأتي عليها تقدم أو تطور١.

وينادي بأن الأدب في مصر، وفي كل بلد عربي يجب أن يكون له طابع خاص يميزه عن الأدب العربي القديم، وإلى أن يكون أدبنا الحديث عنوانًا لحضارتنا، التي هي جزء من حضارة أوربا٢. عنده أن أحسن وسيلة لوضوح شخصية الأديب في أدبه هي اتصال ما يكتب بقلبه، وعقله، وكل حياته. وليس ذلك بمستطاع إلا إذا وصف حياته وحياة قومه ووطنه وكل ما توحي به هذه الحياة للعقل والقلب والحس والشعور مما لا تستطيع حياة أخرى أن تلهمه أو توحي به وبذلك نصل حاضرنا بماضينا٣.

ويعتقد أن جرثومة الأدب المصري المستقبل تكمن في أناشيد الشعب الساذجة التي ينشدها في حفلات الأعراس والمآتم، من ذكريات الحب، والحنان والتضحية والتفجع، وما يرويه الرواة المحليون عن أبطال القرون الغابرة، وما يحكونه من القصص التي يعبر عن خلق الشعب وصبره، وقوة احتماله، وما تحدث به عن عبقريته الفطرية وعن آماله وأحلامه٤.

وهو في هذا متأثر كل التأثر بثقافته الأجنبية فقد ابتدأ يقرأ وهو بعد طالب بمدرسة الحقوق في مصر شيئًا في الأدب الإنجليزي ولفلاسفة الإنجليز


١ أوقات الفراغ هيكل ص٣٥٤- ٣٥٥.
٢ نفس المصدر ص٣٦٣- ٣٦٤.
٣ ثورة الأدب ص١٣٢.
٤ السياسة الأسبوعية ٢ فبراير ١٩٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>