للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما هؤلاء الذين أتوا على أعقاب تلك المدرسة من أمثال هاردي، وويتمان، وبو، فهي المدرسة المتشائمة المتصوفة، المغرقة في تصوير أبشع ما في الإنسانية، وهي في نفس الوقت تجنح إلى الواقعية، والواقع مليء بالمآسي والأوصاب الاجتماعية؛ ولقد أورثهم تغلغلهم في الواقع اشمئزازًا من المجتمع الإنساني وزهدًا فيه ونفورًا منه وتشاؤمًا في الحياة، ولقد دافع العقاد عن تشاؤم هاردي كثيرًا، بل نراه يحذو حذوه في ديوان "أعاصير مغرب"، حين اختار اسم الديوان، وحين نظم في الحب وهو في الشيخوخة كما نظم هاردي ودافع عن رأيه هذا بمنطقه المعهود، وتراه تشاءم كما تشاءهم هاردي فيتعجل غروب الحياة، ولما سئل في هذا اقتبس رأي "بيرون" وهو في السادسة والثلاثين من عمره: "أن لهذا القلب أن يسكن، من عز عليه أن يحرك سواه، ولكني، وقد حرمت من يهوى إلى حسبي نصيبًا من الحب أن أهوى. إن أيامي المكتوبة على الورقة الذاوية، إن زهرات الحب وثماره ذهبت إلى غير رجعة، إنما السوس والديدان وحسرة الأسى، هي لي ... لي وحدها تحيا"١.

ولست أريد في هذا المقام أن أسهب في تبيان خصائص نص هذه المدارس التي تأثر بها العقاد والمازني وشكري، ومن تتلمذ لهم بالتفصيل، فلذلك موضعه من الكتاب عند الكلام عن المدرسة المجددة في الشعر العربي الحديث. ولكن حسبنا في هذه المرحلة أن نبين أثرها في نقدهم للشعر، وتوجيههم للأدباء، ولا سيما أثرها في الأستاذ العقاد، وهو أكثر من تكلم من النقاد عن الشعر، وعن مذهبه، فيه.

يقول العقاد:

"وقد استطاعت هذه المدرسة المصرية أن تقاوم فكرتين كلتاهما خاطئة ناقصة، وإن جاءت إحداهما من الماضي، وجاءت الأخرى من أحدث الأطوار في الاجتماع، وتعني بالفكرة الأولى تلك التي يفهم أصحابها أن "الأدب القومي" هو الأدب الذي تذكر فيه الظواهر والمعالم القومية بالأسماء والتواريخ والحوادث،


١ مقدمة أعصاير مغرب ص١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>