للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا كان جيل شوقي وحافظ يفهم "القومية" التي ينبغي للشعراء المصريين، فليس من الأدب القومي عندهم أن يصف الشاعر عواطفه الإنسانية، أو يصف المحيط الأطلسي، أو نهر دجلة، أو مناظر لندن وباريس؛ لأن هذه الأشياء لا تحمل اسم النيل ومصر والهرم، وأخبار الصحف المحلية والحوادث الداخلية، وفي فكرة خاطئة ناقصة تنفيها أمثلة من العظماء في كل زمن وكل أمة.

وأما الفكرة الثانية التي قاومتها مدرسة الشعراء المصريين في الجيل الحديث فهي الفكرة الاشتراكية العقيمة، التي تحرم على الأديب أن يكتب حرفًا لا ينتهي إلى "لقمة خبز" أو إلى تسجيل حرب الطبقات ونظم الاجتماع١. إلى أن يقول: "فمدرسة الشعر المصري بعد شوقي تعنى بالإنسانية ولا تفهم "القومية" في الشعر إلا على أنها إنسانية مصبوغة بصبغة وطن من الأوطان، وهي تلقي بالها كله إلى شعور الإنسان في جميع الطبقات، وهي على هذا مدرسة الطبيعة والإنسانية". ولقد قال الأستاذ العقاد في مقدمته للجزء الثاني من ديوان عبد الرحمن شكري سنة ١٩١٣.

"إن الشعر قد يسلي ويرفه عن الخواطر، ولكنه فوق ذلك يهذب الأخلاق ويلطف الشعور، ويعين الأمة في حياتها المادية والسياسية والاجتماعية" وقال في موطن آخر٢: "إن الأدب الصحيح السامي الذي ينبغي أن يتخذ مقياسًا تقاس إليه الآداب هو الأدب الذي تمليه بواعث الحياة القومية، وتخاطب به الفطرة الإنسانية عامة، أما إن أملته بواعث التسلية والبطالة، وخاطب الأهواء العارضة، فهو أدب غث مرذول مكشوف ينبغي نبذه ومحاربته".

فهو في هذين النصين يعدل من فكرته في محاربة الشعر القومي كما فهمه شوقي وحافظ ومن سار على نهجهما، فقد كان هذا الشعر يعين الأمة في حياتها المادية والسياسية والاجتماعية، وتمليه بواعث الحياة القومية ولا ريب.

وتراه في مواطن آخر يفسر الشعر الاجتماعي تفسيرًا جديدًا فيقول:


١ وهو بهذا ينعي على حافظ وشوقي وعبد المطلب ومحرم وإخوانهم شعرهم الاجتماعي وحثهم أولي الأمر على العناية بالفقير ومحاربة الجهل والمرضى في مصر.
٢ مطالعات في الكتب والحياة ص٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>