للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إن الشعر الصادق يعبر عن كل نفس، وهو بذلك يعبر عن المجتمع بأسره ويؤثر فيه، ولذا نعده شعرًا اجتماعيًّا وإن لم يدون حادثًا قوميًّا أو نحوه"١، ولا شك أن الجمال والجلال ليسا وقفًا على مصر وحدها، والشاعر المرهف الحس، الذواقة للجمال والجلال يراهما في مواطن كثيرة من العالم، وهو حين يصفهما، وينقل إلينا عواطفه إزاء ما يرى سواء كان ذلك في لندن أو باريس أو غيرهما من بلاد العالم إنما ينقل إلينا إحساسه الذاتي ومشاعره الخاصة ومن التعسف أن نسمي شعره هذا شعرًا قوميًّا؛ لأن المراد بالشعر القومي ذلك الذي يحفز المشاعر ويحث الهمم على إعلاء شأن الوطن أو تمجيد تاريخه. أو وصف روائع آثاره وجمال طبيعته مما يبعث في النفوس الإعجاب به والحب له والفناء في سبيله.

ولعل الأستاذ العقاد أراد ألا يقف الشعراء على هذا الضرب من الشعر القومي الذي يحمل اسم النيل الهرم ومصر، وأن تتسع آفاقهم فتشمل الإنسانية جمعاء.

ولكن عذر هؤلاء الشعراء في تلك الحقبة أن مصر كانت في صراع مرير مع قوى الاستعمار الغاشم الذي جهد كل الجهد في أن يمكن لأقدامه في هذه الديار واصطنع كثيرًا من ذوي النفوس الضعيفة، وفرض علينا لغته وثقافته، وعمل على مسخ الروح القومية والتشكيك في القيم التي كنا نقدسها ونحتفي بها، فكان الشعراء يحسون بآلام هذه الأمة المكافحة ويدركون عنف هذا الصراع فترجموا عن أحاسيس مواطنيهم وشجعوهم وثبتوهم بهذا الشعر القومي، وعملوا على غرس محبة هذا الوطن وإعزازه في قلوب مواطنيهم.

ومع هذا فإن شوقي بخاصة لم يقف عند حد النيل وبالهرم ومصر وآثارها فله عشرات القصائد الرائعة التي قالها في غير مصر فإن في: دمشق وبيروت ولبنان وعاب بولون وقبر نابليون والبسفور والأندلس وطوكيو وسواها.


١ الفصول ص١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>