للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لخص العقاد رأيه في مقاييس الشعر، وماذا يجب أن يكون بعد أن نيف على الستين وتركزت فكرته بقوله؛ "أما هذه المقاييس فهي في جملتها ثلاثة ألخصها فيما يلي.

"أولها": أن الشعر قيمة إنسانية، وليس بقيمة لسانية؛ لأنه وجد عند كل قبيل، وبين الناطقين بكل لسان، فإذا جادت القصيدة من الشعر فهي جيدة في كل لغة، وإذا ترجمت القصيدة المطبوعة لم تفقد مزاياها الشعرية بالترجمة إلا على فرض واحد، وهو أن المترجم لا يساوي الناظم في نفسه وموسيقاه، ولكنه إذا ساواه في هذه القدرة لم تفقد القصيدة مزية من مزاياها المطبوعة أو المصنوعة، كما نرى في ترجمة "فتزجيرالد" لرباعيات الخيام.

"وثانيها": أن القصيدة بنية حية، وليست قطعًا متناثرة يجمعها إطار واحد، فليس من الشعر الرفيع شعر تغير أوضاع الأبيات فيه، ولا تحس منه ثم تغييرًا في قصد الشاعر ومعناه.

"ثالثها": أن الشعر تعبير، وأن الشاعر الذي لا يعبر عن نفسه صانع، وليس بذي سليقة إنسانية، فإذا قرأت ديوان شاعر، ولم تعرفه منه، ولم تتمثل لك شخصية صادقة لصاحبه، فهو إلى التنسيق أقرب منه إلى التعبير"١.

ونكرر هنا ما سلف أن لاحظناه على النقد لدى شكري من أن هذه المدرسة وقفت عند باب الشعر الوجداني الذاتي، منصرفة عن سواه من ضروب الشعر الأخرى، ومناداتهم بالنظر إلى من قال لا إلى ما قيل، واهتمامهم بظهور شخصية الشاعر في شعره جب للشاعر الموضوعي كله وهو من أنواع الشعر التي نادى بها الغربيون، وأحلوها منزلة عالية وتتجلى في الملحمة المسرحية، ولذلك لا تجد لهم في هذا الميدان كثيرًا أو قليلًا، وإنما عكفوا على ذواتهم يسيرون أغوارها؛ ويتأملون ما حولهم ويعبرون عن أحاسيسهم بعد هذا التأمل، وهنا تضييق للشعر وحد من آفاقه.


١ معراج الشعر: مقال للأستاذ العقاد بمجلة الكتاب أكتوبر سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>