للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما يكن من أمر فقد أفادت حملات العقاد والمازني على الشعر التقليدي، فحاول الشعراء الذين كانوا ينهجون في مستهل حياتهم الأدبية منهج الأقدمين أن يجددوا في شعرهم، وإن لم يتيسر لمعظمهم أن يأتي بجديد يعتد به، ولا سيما في المعاني والقوالب؛ لأن القرائح كانت في نضوب، والطباع في شبه جمود. بيد أن فريقًا من الشعراء الشبان الذين اطلعوا على الآداب الغربية وتأثروا بتوجيهات النقاد. وحملاتهم الصارمة على الشعر التقليدي جدوا في الإتيان بشعر جديد، ولكنهم وللأسف لم يكن عند أكثرهم تلك القوة الخالقة المبتكرة، ولا هذا الأسلوب المتين، ولا تلك الينابيع الغزيرة من المعاني التي كانت للجيل السابق لهم، فلم يرتفعوا بالشعر إلى المستوى الذي كنا نرجوه.

ومن نقاد هذه المدرسة التي حذفت الإنجليزية وأوغلت في قراءتها وتأثرت بنقادها، وحاولت جاهدة أن تعطي مفهومًا جديدًا للأدب بعامة والشعر بخاصة؛ المازني، وهو أحد الفرسان الثلاثة الذين كونوا المدرسة الأدبية النقدية.

ولكن المازني لم يكثر من تقرير النظريات المجلوبة، بل حاول أن يمزج في نقده بين القديم والجديد، وكانت له شخصية في النقد التطبيقي، ويغلب عليه طبع الفنان الأديب أكثر مما تغلب عليه سمات الناقد؛ فهو يغالي في مدحه كما يغالي في سخطه، نراه مثلًا يتحامل على شكري حتى يجرده من كل صفات، الشعراء، ويتحامل على حافظ إبراهيم في رسالته "شعر حافظ" التي يقول في ختامها: "ولو كان له حسنات لاغتفرنا له ما في شعره من السيئات، فإن للمتنبي سرقات كثيرة ولكن حسناته أكثر".

ونحن لا نبرئ المازني من الهوى في هذا التحامل، وقد ذكرنا آنفًا ما أفسد ما بينه، وبين شكري من مودة، ثم ندمه على ما فرط منه في هذا النقد الجارح. أما حافظ فكان الوشاة يبلغون المازني أن يكيد له في "نظارة المعارف" فأوغروا صدره عليه حتى جرده من كل نعت جميل، ثم أسف فيما بعد على هذا الشطط، وتمنى على الله أن ينسى ما كتبه على حافظ، أو ما سماه "الهراء القديم"١.


١ حصاد الهشيم ص٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>