للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجودة الكلام تكون بتخير حر اللفظ وأنسبه، ويتخير نادر المعنى وتمكنه وتكون بخلوه من الإحاطة والاستكراه والحشو والسفساف، والضعيف والقلق، وبتميزه بالوضوح، وبتوكيد معناه بالترادف ودنو المأخذ، وإصابة السر، وعدم تكلف الصنعة إلا ما جاء عفو البديهة، ثم تمييزه بالسهولة والابتكار بالتناسب الموسيقي في حروفه وكلماته١.

ومن اللمحات النقدية الطريفة منافاته بأن يمثل الشعر المعاني النفسية الخاصة والعامة، وهذه متأثرة بالحياة، وإذن فالشعر تمثيل حقيقي وفي هذا التمثيل خلوده٢ وكذلك فهو تمثيل حقيقي للشاعر ولذا فإن دراسة أخلاق الشاعر وحياته عامة مهمة لتفسير شعره.

ورأى أن الشعر لا يتسع لبسط المعاني، فإذا بسطت فيه وشرحت سقطت مرتبته من الشعر وأصبح نظامًا كنظم المتون٣ ودعا الرافعي٤ إلى الاهتمام بجوهر الشعر وروحه لا إلى قشوره وظواهره، وأن تكون نظرة الشعراء شاملة لا جزئية. وذم التكلف الذي يفرض فيه الفكر على الإرادة، والإرادة على العاطفة، فلا تصدق العاطفة، ولا تخلو من الغلو، وذم كذلك التكلف الذي يأتي من عبادة الأوزان، وتقليد القدماء في صورهم ومعانيهم.

ورأى أن المعاني في الشعر لا تضيء إلا بشعاع من الخيال، ويريد من الشعر أن يكون تصويرًا للطبيعة ملونًا بالعاطفة حتى تؤثر في نفس السامع والقارئ. إلى غير ذلك من الآراء النقدية التي لا تقل تحررًا عن المدارس الجديدة في النقد.

وقد وضح الرافعي طريقه في نقد الشعر وكيف ينظر إليه بقوله: "أنا حين أكتب عن شاعر لا يكون همي إلا البحث في طريقة ابتداعه لمعانيه، وكيف ألم وكيف لحظ، وكيف كان المعنى مَنْبَهَةً له، وهل ابتدع أم قلد، وهل هو شعر بالمعنى شعورًا فخالد نفسه وجاء منها أم نقلًا فجاء من الكتب، وهل يتسع في


١ نفس المصدر ص٢١٤، وص٢٢٤.
٢ تاريخ آداب العرب ج٣ ص٧٢.
٣ رسائل الرافعي ص٦٧.
٤ مقدمة ديوان الجزء الثالث الصادر سنة ١٩٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>