للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفكرة الفلسفية لمعانيه، ويدقق النظرة في أسرار الأشياء، ويحسن أن يستشف هذه الغيوم التي يسبح فيها المجهول الشعري، ويتصل بها ويستصحب للناس من وحيها، أم فكرة استرسال وترجيم في الخيال وأخذ للوجود كما هو موجود في الواقع؟ وبالجملة هل هو ذاتية تمر فيها مخلوقات معانيه لتخلق فتكون لها مع الحياة نفسها حياة من نفسه أم هو تبعية كالمسمار بين طرفين يكون بينهما وليس منهما ولا من أحدهما"١ وأنت ترى من هذا أن الرافعي يطلب من الشاعر أن يستشف أسرار الحياة وأن يبتكر المعاني ويجدد فيها ويشعر بالوجود شعورًا عميقًا يخالط نفسه، وتراه لا يستحسن الأدب الواقعي الذي ينقل الحياة كما هي دون أن يتأثر بها، ويرى الرافعي أن حركة التجديد في الشعر قد أفادته على الرغم مما بها من سوءات، ومما جرته على الشعر. واستمع إليه يقول: "وعلى ما نزل بالشعر العصري فقد استقلت طريقته وظهر فيه أثر التحول العلمي والانقلاب الفكري وعدل به أهله إلى صورة الحياة بعد أن كان أكثر صورًا من اللغة، وأضافوا به مادة حسنة إلى مجموعة الأفكار العربية؛ ونوعوا منه أنواعًا بعد أن كان كالشيء الواحد، واتسعت فيه دائرة الخيال بما نقلوا إليه من المعاني المترجمة من لغات مختلفة"٢.

وللرافعي غير ذلك آراء كثيرة في نقد الشعر تحتاج إلى فصل خاص فحسبناه ما ذكرناه.

وظلت الصياغة وجودتها تجد من يدافع عنها، وعن طريق الموسيقى في الشعر من أمثال الزيات٣ والرافعي، والمنفلوطي وأساتذة دار العلوم والأزهر.

وكانت الثمرة الطبيعية لكل هذه الآراء في النقد وفي توجيه الشعر أن تعددت مدارسه: فمدرسة أثرت الشعر التقليدي العربي في روحه ومعانيه، وتشبيهاته وأخيلته، وموضوعاته وصياغته، وإن لم تنج من التأثير بمظاهر الحضارة، والنهضة القومية، وتوجيه النقاد، ومن هؤلاء عبد المطلب، توفيق


١ وحي القلم ج٣ ص٣٥٠.
٢ وحي القلم ج٣ ص٣٧٩.
٣ راجع دفاع عن البلاغة ووحي الرسالة ج١، ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>