للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميت، ولم يقف رثاء الشعراء على الأشخاص بل تعداهم إلى رثاء الدول والمدن، كما فعل شوقي في رثاء أدرنه، وعند زوال الخلافة.

ولقد حظي التاريخ بعناية الشعراء وهو من الأغراض المستحدثة، ونظم فيه الشعراء ملاحم قوية، كهمزية شوقي التي أنشدها في مؤتمر المستشرقين، وكقصائده في دول العرب وعظماء الإسلام، وكقصيدته البائية في وصف الحوادث العثمانية.

وكان شوقي احتفاء زائد بالتاريخ إذ كان يرى فيه معلمًا عظيمًا، وكنزًا كريمًا وهو القائل: الشعر ابن أبوين: الطبيعة والتاريخ، وكان له مقدرة على استحضار مشاهده واضحة زاهية وتراه يرجع بك إلى الماضي كأنك تراه:

أفضى إلى ختم الزمان فقضَّه ... وحبا إلى التاريخ في محرابه

وطوى القرون القهقري حتى أتى ... فرعون بين طعامه وشرابه

فترى الزمان هناك قبل مشيبه ... مثلَ الزمان اليوم بعد شبابه

ومن الأغراض التي تقدمت بعد البارودي: الشعر القومي وهو يشمل الوطنية والاجتماع ولقد رأينا البارودي يقف عند الحوادث الخاصة التي تأثر بها والتي في نفسه، ولكن الأحداث التي مرت بمصر، والاحتلال ومصائبه، والمطالبة بالدستور، ثم الثورة الوطنية العامة سنة ١٩١٩ قد نبهت الشعراء إلى معان جديدة وأغراض حديثة في الشعر القومي كما مر بك في غير هذا الموضوع.

فالوطنية تشمل: الأناشيد الحماسية، وتصوير الفظائع التي ارتكبها الغاصب، والمناداة بالاستقلال، والتحرر من ربقة الأجنبي، والحث على الثورة، وتصوير الصدام بين جنود الاحتلال، والوطنيين المجاهدين. ولقد خاض معظم الشعراء في هذا الميدان، وبرع كثير من الشعراء فيه كشوقي، وحافظ، وأحمد محرم، والكاشف، وعبد المطلب، والجارم، والرافعي ولم يبق إسان يستطيع قول العشر، وليس له في هذا الميدان نصيب حتى مصطفى كامل، وهو من الخطباء والكتاب البارعين في الوطنية أبت عليه حماسته إلا أن يقول نشيدًا في الوطنية أثبتنا طرفًا منه هنا لطرافته ولأنه من بواكير قلمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>