روحًا حية، ويكتنه أسرارها ويغوص في أعماقها، ويصورها ملونة بعاطفته الخاصة، وحسبما يوحي إليه خياله المجنح فينطقها، ويشخصها كوصف شوقي لرحلة في قصيدته المشهورة:
يا جارة الوادي طربت وعادني ... ما يشبه الأحلام من ذاكراك
ومثل معظم أوصاف مطران في الطبيعة وقد زاد نظراته الشاملة العامة للكون، وللإنسانية وما يرجى فيها من خير وشر، وعدل وظلم، مثل قصيدته: في المساء، ووردة نبتت في سفك دماء. والنوارة، وفي الغابة، وغصن من زهر المشمش، ومثلها وصف شوقي للجيزة أو الجزيرة، أو وصفه للآثار المصرية التي تشبه الطبيعة لقدمها.
ومن الشعراء الذين احتذوا حذو الغربيين في نظراتهم الشاملة للكون وللإنسانية جمعاء حين يصفون الطبيعة: جبران، وإيليا أبو ماضي وكثير من شعراء المهجر محتذين في ذلك حذو شعراء الغرب.
وقد يقف الشعراء على آثار الأمم الماضية، ومشاهد العمران فيغوصون في أعماق التاريخ ويصورونه تصويرًا بارعًا، وقد فاق شوقي سواه في هذا المضمار.
وقد وصف الشعراء المعارك الحديثة، ولكنهم للأسف قلما جددوا في أساليبهم وتشبيهاتهم فتجدهم يتحدثون عن السيوف والرماح والدروع والمغافرن وينسون أن الحرب الحديثة فيها المدافع والمدرعات والطائرات والغواصات، وأنها تجتاح كل البشرية لا ينجو منها ومن عواقبها محارب أو مسلم من: غلاء وضيق وظلمة، وتقيد للحريات، وتدمير شامل للمدن، وقد تعرض شوقي لمثل هذه المعارك، ولكنه لم يجدد إلا بقدر يسير.
ومن الأغراض التي امتدت واتسعت وراجت الرثاء، وقد كان في بادئ الأمر مقصورًا به التزلف فلا يرثي إلا ملك أو أمير، ثم خرج عن ذلك إلى رثاء العظماء الذين أسدوا إلى بلادهم خدمات جليلة، وصار رثاء فيه تصوير للمرثي وأعماله، ولا يصلح لسواه من الناس كما كان الحال من قبل حيث كان الرثاء يصلح لكل