يا أخا الروح، دعا الشوق بنا ... فاسقنا من خمرة الرين اسقنا
عالم الفتنة يا شاعر أم دنيا الخيال
أمروج علقت بين سحاب وجبال؟
ضحكت بين قصور كأساطير الليالي
هذه الجنة فانظر أي سحرٍ وجمال
يا حبيب الروح يا حلم السنا ... هذه ساعتنا، قم غَنِّنَا
سكر الشاق إلا أننا ... فاسقنا من خمرة الرّين اسقنا
ومن الأغراض التي صار لها مقام مرفوع في الشعر الحديث الوصف بعامة، ووصف الطبيعة بخاصة والوصف من أسمى ضروب الشعر، لا تتفق الإجادة فيه والإكثار منه إلا إذا كان الشعر حيًّا، وكانت نزعة العصر إليه قوية، وكان النظر فيه صحيحًا. والإجادة في الوصف تدل على شاعرية قوية؛ لأن الشاعر لا تدفعه إليه رغبة أو رهبة، وإنما يدفعه إليه انفعاله وحساسيته بما يحيط به. وقد اختلف الشعراء في نظرتهم إلى الطبيعة اختلافًا بينًا: فمنهم من يرى وجهها الضاحك، ورياضها المزدهرة، وأطيارها المفردة، وشمسها الضاحية، ونجومها الزاهية، ومروجها الخضراء، ومياهها الندية، وأريجها الشذى، ومنهم من يرى وجهها العابس، فلا يحس إلا ليلها الأسود، وسماءها الملبدة بالغمام، وريحها الزفوق وأعاصيرها الجارفة، وبراكينها التي تصب الحمم، وزلازلها المدمرة، وأمطارها العنيفة، ومفاوزها المهلكة.. إلى غير ذلك، ومنهم من يراها في كلا وجهيها، فينتشى طربًا حين تصفو وتحلو وتشرق، ويكتئب حين تزمجر وتغضب، وترينا وجهها الكالح، ثم هو بعد ذلك كله يختلفون في تصويرها فبعضهم يصور ما في الطبيعة تصويرًا ماديًّا محسوسًا كأنه آلة تصوير، يزخرف، ويشبه، ويغص شعره بشتى ألوان الاستعارات مثل البارودي وتوفيق البكري، ومثل شوقي في وصف لبنان ودمشق، وبعضهم يبعث في الطبيعة.