وقال له الواشون أنت وصلته ... ببعثك طيفًا في الكرى فتظلما
وخبر أني قد تخيلت أنني ... تزودت منه قبله فتألما
وخبر أني سوف أخلس نظرة ... إليه فأضحى بالحياء ملثما
وإني لأهوى أن أموت لعله ... إذا مر ذكري في الحديث ترحما
وكان غزله كله يفصح عن حرمان وألم.
ومن هؤلاء الذين نسجوا على هذا المنوال، وكان غزلهم نغمًا حزينًا وألمًا وشجنًا إبراهيم ناجي، وفي قصيدة "المودة" يتغنى بذكرياته الحزينة لمرتع صباه ومجالي لهوه وما كان له من حب ذوى قبل أوانه.
رفرف القلب بجنبي كالذبيح ... وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيب الدمع والماضي الجريح ... لِمَ عدنا؟ ليت أنا لم نعد
لم عدنا؟ أَوَلَمْ نطوِ الغرام ... وفرغنا من حنين وألم
ورضينا بسكون وسلام ... وانتهينا لفراغ كالعدم
موطن الحسن ثوى فيه السأم ... وسرت أنفاسه في جوه
وأناخ الليل فيه وجثم ... وجرت أشباحه في بهوه
والبلى أبصرته رَأيَ العيان ... ويداه تنسجان العنكبوت
صحت: يا ويحك تبدو في مكان ... كل شيء فيه حتى لا يموت
كل شيء من سرور وحزن ... والليالي من بهيج وشجى
وأنا أسمع أقدام الزمن ... وحطى الوحدة فوق الدَّرَج
أما الخمر ومجالس اللهو: فقد برع فيها طائفة من الشعراء من أمثال شوقي وعلي محمود طه، وحافظ، إلا أن شوقي أجاد وصف المراقص العصرية في خمرياته، وأجاد علي محمود طه في وصف أويقات الأنس في مغاني أوربا وأبدع في تصويرها.
ومن ذلك قوله يصف ليلة قضاها على ضفاف نهر "الراين":
كنز أحلامك يا شاعر في هذا المكان
سحر أنغامك طواف بهاتيك المغاني
فجر أيامك رفاقك على هذي المحاني
أيها الشاعر هذا الرَّاين، فأصدح بالأغاني