ظمآن ظمآن لا صوب الغمام ولا ... عذب المدام ولا الأنداء ترويني
حيران حيران لا نجم السماء ولا ... معالم الأرض في الغمام تهديني
يقظان يقظان لا طيب الرقاد يدا ... نيني ولا سمر السمار يلهيني
غصان غصان لا الأوجاع تبليني ... ولا الكوارث والأشجان تبكيني
شعري دموعي وما بالشعر من عوض ... عن الدموع نفاها جفن محزون
يا سوء ما أبقت الدنيا لمغتبط ... على المدامع أجفان المساكين
هم أطلقوا الحزن فارتاحت جوانحهم ... وما استرحت بحزن فِيّ مدفون
أسوان أسوان لا طبَّ الأساة ولا ... سحر الرقاة من الأدواء يشفيني
سأمان سأمان لا صفو الحياة ولا ... عجائب القدر المكنون تغنيني
أصاحب الدهر لا قلب فيسعدني ... على الزمان ولا خل فيأسوني
يديك فامح ضني يا موت في كبدي ... فلست تمحوه إلا حين تمحوني
أو استمع إلى المازني في "وصية شاعر" والتي يقدم لها بقوله:
هذه وصية بشعة في رأي الكثيرين ولا ريب، وسيعتدونها دليلًا على الحزن ولؤم النفس، وربما ذهبوا إلى أبعد من هذا الحد، فأخذوا الأدب الحديث كله بجريرتي في هذه القصيدة، وفيها يقول:
سترخي على هذه الحياة الستائر ... وتطفأ أنوار ويقفز سامر
فهل راق هذا الخلق قصة عيشتي ... وماذا يبالي من طوته المقابر
تركت لهم من قبل موتي وصية ... نظير التي أوصت بها لي المقادر
وهبت لأعدائي إذا كان لي عدى ... همومي وما منه أنا الدهر ثائر
وأوصيت للمحبوب بالسهد والضنى ... وبالدمع لا يرقا ولا هو هامر
وبالجدري في وجهه ليزينه ... وبالعرج المرذول والله قادر
وبالضعف والإملاق واليأس والجوى ... وبالسقم حتى تتقيه النواظر
وللشيب بالأوجاع في كل مفصل ... وبالثكل في الأبناء والحد عائر
وكل سقام قد تركت لذي الصبا ... وما كنت منه في الحياة أحاذر
وللناس ألوان الشقاء وإنني ... إذا مت لا آسى على من يخامر