وهي وصية تدل على نفس قد أداها الدهر، ولها عند كل إنسان وتر، فهي توصي لهم بكل شر وضر، ولعل فيما أصاب المازني في حياته ما جعله ساخطًا كل السخط في هذه القصيدة، وقد أشار فيها إلى عرجه الذي كان شديد الحساسية به.
وباب الوجدانيات بحر لا ساحل له؛ لأن عواطف النفس الإنسانية تتجدد بتجدد الأيام والحياة، وما فيها من سرور وآلام وابتسامات ودموع، وضحكات وآهات، ولا نغالي إذا قلنا: إن معظم شعراء الشباب في عصرنا الحاضر لا هم لهم إلا بث لواعج نفوسهم، والشكوى من زمنهم ومن الحياة، لذلك جاء شعر أكثرهم حزينًا باكيًا متشائمًا منبعثًا عن نفسيات في اليأس أو لا تقوى على احتمال الآلام. وقد تغير الحال نوعًا ما بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢. وانتصاراتها المتتالية الداخلي والخارجي، وتبنيها القضايا العربية وقايم الوحدة بين مصر وسوريا مما أوجد لدى شباب الشعراء مادة غزيرة تثير حماستهم وتلهب مشاعرهم وتحرك طموحهم لمجد أمتهم، وتشعرهم بمستقبل بسام ووحدة شاملة للعالم العربي، فتغيرت النغمة الحزينة لدى الكثيرين من الجيل الصاعد، ولم يعد الأفق أمامهم مظلمًا، ولا المستقبل معتمًا، ولم يعد ثمة مجال لاجترار أحزانهم ونشر مآسيهم إلا قلة متخلفة ران اليأس على أفئدتها.
أما من حيث الأسلوب فقد جرى الشعراء في أول الأمر مقلدين للقصيدة العربية، محافظين على الأوزان التي ورثناها عن العرب، ولكنهم ما لبثوا أن افتنوا في أنواع الموشحات وخرجوا بها عن أصولها المعروفة، حتى صاروا بها إلى مسدسات، ومسبعات ومثمنات، دون أي التفات إلى عدد الإقفال والأبيات. وإن راعوا نمطها في الوزن والتقفية.
ولما اشتد تأثرهم بالأدب الغربي في القرن العشرين أخذوا ينظمون القصيدة مقطعات، تختلف في عدد أبياتها حينًا، وتتفق حينًا آخر، ولكل مقطعة قافية تستقل بها عن أخواتها. ومنهم من جرى على أسلوب الشعر الغربي في تثنية قوافيه، وتقطيعه وتفصيله، وآثر البحور الخفيفة الرشيقة، ومنهم من أهمل