للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عبر الشاعر عن انفعاله مباشرة من غير أن يسيطر الفكر عليه، ويجتهد في حشوه بالحقائق جاء كلامه حلوًا، وعباراته موسيقية طبيعية.

ومن الأمور التي يراعيها الشعراء في العصر الحديث تسلسل المعاني، وارتباطها بعضها ببعض، وعدم تنافرها، فالقصيدة صارت وحدة، وبناء متماسكًا، ولم يعد البيت المفرد هو وحدة القصيدة كما كانت الحال عند العرب، ولقد وضحت الفرق بين الطريقتين في غير هذا الكتاب، وبينت ميزة كل طريقة١.

والمعاني تتفاوت من حيث ابتذالها، وشيوع استعمالها، ومن حيث أنها تقليد ونقل عن معانٍ سبقتها، ومن حيث أنها مبتكرة جديدة. أما المعاني المبتذلة، فهي المألوفة المتداولة بين الخاصة والعامة، كقول الشاعر مثلًا: والأرض فيها الماء والأشجار، فهذه من البديهيات المتداولة وأما التقليد فبابه واسع، وقد ألفت فيه قديمًا كتب عدة٢: وتجد لشعرائنا المحدثين في هذا الباب كثيرًا من الشعر الذي نقلوا معانيه عن غيرهم. وقد مر بك في الجزء الأول عند كلامنا على البارودي كثير من هذه الأمثلة ومن هذا قول المتنبي يقصد سيف الدولة:

رمى واتق رميي ومن دون ما اتقى ... هوى كاسر كفى وقوسي وأسهمي

فجاء إسماعيل صبري فقال:

إذا خانني خل قديم وعقني ... وفوقت يومًا في مقاتله سهمي

تعرض طيف الود بيني وبينه ... فكسرت سهمي وانثنيت، ولم أرم

وأنت ترى إسماعيل صبري سار في إثر المتنبي، وقصر عنه، والمعنى الذي أورده المتنبي في بيت واحد قوي الديباجة، يأتي به صبري في بيتين ولم يوفه، وقد وقع شوقي، وصبري، وحافظ وغيرهم في هذه المؤاخذات٣ ولا سيما في


١ راجع كتاب التابعة الذبياني للمؤلف ص٥٣ وما بعده.
٢ كالموازنة للآمدي. والوساطة بين المنفي وخصومه. والرسالة الحاتمية في اقتباسات المتنبي من أرسطو.
٣ راجع ديوان للعقاد، وعلى السفود للرافعي، ومجلة أبولو سنة ١٩٣٣ مقال عن معارضات شوقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>