ومن خصائص تلك المدرسة كذلك استخدام القصيدة بمظهرها المعروف ذات الروى الواجد والقافية الواحدة، والوزن الواحد، وكثيرًا ما ابتدءوا تلك القصيدة بالنسيب كما كان يفعل شعراء العرب الأقدمون، أو تركوا النسيب كما فعل ذلك من قبلهم بعض شعراء العصر العباسي حيث بدءوا بالغرض من غير تلك المقدمة الموروثة عن الجاهلية. على أن القصيدة الحديثة لا تختلف عن القديمة في تعدد عناصرها، فلم ينظروا إليها نظرتهم إلى بناء متماسك الأجزاء أو كائن حي، إلا قليلًا حين وضعوها في الأسلوب القصصي كما ترى ذلك عند حافظ وعبد المطلب أحيانًا، ولكن الغلب على شعر هذه المدرسة هو جعل البيت -كما كان من قبل- وحدة القصيدة، ويجوز فيها التغيير والتبديل من غير إخلال بالمعنى. وقليل منهم من جرؤ على استخدام الموشحات أو ما يشابهها.
ومن خصائص تلك المدرسة كذلك أن موضوعات شعرهم قلما طرأ عليها تجديد، اللهم إلا ما تقتضيه خصائص العصر العامة فأغلبهم كان مداحًا، يمدح الخليفة. وإن لم يعرفه أو تكن بينه وبينه صلة، أو ثمة أمل في أن يعرفه، ويمدح الأمير وحاشيته، ويغير ولاءه كلما تغيرت الوجوه الحاكمة من غير تحرج أو تردد؛ لأنه لم يكن ينظر إلى المدح نظرتنا له اليوم؛ لأن الاهتمام بالشعب لم يكن قد بلغ غايته، فكان الأمير هو المحور الذي يدورون حوله. مثهلم في ذلك الأدباء الإنجليزي والفرنسيين قبل أن تظهر الحركة "الرومانتيكية"١.
وقد صرفهم المديح كما صرف أسلافهم العرب من قبل عن الاهتمام بالطبيعة، وبالحياة الإنسانية، وإن التفتوا في أخريات زمانهم، نظرًا لتطور الحياة في مصر إلى بعض ذلك وإلى الشعب وآماله، ولكنهم على كل حال كانوا ينظرون من خلال ذاتهم ومقدار تأثرهم بالأحداث المحيطة بهم، فلم يكن شعرهم في الشعب موضوعيًّا.
١ كتب الحركة الرومانتيكية في أوائل القرن التاسع عشر ثورة على تلك التقاليد، فمن أدباء الإنجليز في القرن الثامن عشر الذين مثلوا تلك المدرسة التقليدية وعنوا بالأسلوب، ولم يتلفتوا للطبيعة وجعلوا للشعر ألفاظًا خاصة به، درايدون وبوب، وتومسون وغيرهم، وكلهم كان شاعر بلاط يغرم بالمديح، ويتملق الحاشية راجع MODERN ENGLISH LITERATURE ص١٣٥ وما بعدها لـ. G. H. MAIR AND A.G. WORD