أواخر حياته وإن خفت وطأته كثيرًا في شعره الأخير كما اختفى التاريخ الشعري، وقد ضربت لك منه أمثلة في أول هذا الفصل.
لقد اشتهر صبري بحسن الديباجة، ورقة الشعر، والعناية باللفظ والأسلوب ومع ذلك وجدت له عدة أخطاء، وجل أخطائه في استعمال الكلمات والحروف من مثل قوله:
حسبت بأنك لي خالد ... فكان الذي لم أكن أحسب
يقال حسبته وحسبت أنه، فلا محل للباء في بأنك، ومن مثل قوله:
غرها سعدها، ومن عادة السعد ... يؤاتى يومًا ويخذل دهرًا
يقال من عادته أن يفعل كذا، فلا وجه لإسقاط أن، ومن مثل قوله:
يا آسي الحي هل فتشت عنه في كبدي ... وهل تبيت داء في زواياها
يقال: فتشت الشيء وفتشت عنه، لا فتشت في، ومثل قوله:
إذا خانني خل قديم وعقني ... وفوقت يومًا في مقاتله سهمي
ففوق السهم جعل له فوقًا، وهو موضع الوتر منه، وقد أتى الشاعر بهذه الكلمة مضمنًا إياها معنى سددت أو صوبت، والصحيح أن يقال: إلى مقاتله لا فيها، ومثل قوله:
لك الإمارة والأقوام ما برحت ... بكل عاري الذرى في الكون تأتمر
يقال ائتمر الأمر امتثله، وبه أمر نفسه. وائتمر فلانًا شاوره. وبفلان هم به "إن الملأ يأتمرون بك"، ولم يرد ائتمر به بمعنى اقتدى أو اتبع أمره.
ومثل قوله:
فأقمنا عليه في كل ناد ... مأتمًا داويًا بصوت البكاء
والمعروف في كتب اللغة "مدويًا" بتشديد الواو.
ومثل هذه الهنات غير قليلة في شعر صبري، وقد أتت له من الاستعمال الشائع في الصحف، وعدم التمكن في الدراسة؛ ولكنها لا تقدح في رقة ديباجته، وصقل شعره وعنايته الفائقة بأسلوبه، وهذه أظهر ميزاته الشعرية وهو بهذا يمثل أهم خصائص المدرسة التقليدية الحديثة.