للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان الفلاح المسكين يُغْزَى وتُنْهَبُ أمواله، ولم يكن التاجر المصريّ أو الأوروبيّ الغريب بأحسن منه حالًا١، ولا ريب في أن الحالة الاجتماعية والأدبية تتأثر إلى حَدٍّ كبيرٍ بالحالة السياسية: فرعيةٌ هُمْلٌ، ورعاةٌ مستبدون، وهيهات أن يكون للأدب نصيبٌ في مثل هذه البيئة الجاهلة.

وقد زار "فولني" الرَّحَّالة الفرنسيّ مصر، وبلاد الشرق العربيّ, وتركيا, في أخريات القرن الثامن عشر, فراعه ما بها من جهلٍ مطبقٍ, وفسادٍ شائع، وهو في هذا يقول: "الجهل عامٌّ في هذه البلاد، وفي كل بلد تابع لتركيا، وقد عَمَّ كل الطبقات، ويتجلى في كل العوامل الأدبية, وفي الفنون الجميلة، حتى الصناعات اليدوية تراها في حالةٍ بدائيةٍ، ويندر أن تجد في القاهرة من يصلح الساعة، وإذا وُجِدَ فهو أجنبيّ".

ويقول في موضعٍ آخر: "ولَّى عصر الخلفاء, وليس من الأتراك أو العرب اليوم علماء في الرياضيات أو الفلك، أو الموسيقى, أو الطب، ويندر فيهم من يحسن الحجامة، ويستخدمون النار في الكيّ، وإذا عثروا بمتطببٍ أجنبيٍّ عدُّوه من آلهة الطب، وصار علم الفلك والنجوم شعوذةً وتنجيمًا، وإذا قيل لعلمائهم ورهبانهم: إن الأرض تدور, عدُّوا ذلك كفرًا؛ لأنه -في زعمهم- يخالف كتب الديانات".

ولم تكن تركيا أحسن حالًا من البلاد الخاضعة لسلطانها، وحسبك أنه حينما أراد بعض النابهين من الأتراك في القرن الثامن عشر٢ إدخال المطبعة لأول مرةٍ في تركيا، وجَدٍّ من ولاة الأمور، وجمهور الشعب عنتًا وإرهاقًا، واضطر إلى استصدار فتوى شرعية, بعد أن بذل إبراهيم بك صهر السلطان مجهودًا كبيرًا، وقد سمحت الفتوى بطبع الكتب غير الدينية، ثم أفتى علماء الشرع بعد ذلك -حين ظهرت فائدة المطبعة- بطبع كتب الدين اعتمادًا على أن الأمور بمقاصدها".


١ The Begining of the Egyptian question and the Rise of Mohamed Ali by prof Shafik Cherbal. p.٢.
٢ هو محمد حلبي, سفير الدولة العثمانية بباريس.

<<  <  ج: ص:  >  >>