للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حرم الأتراك مصر أغلى كنوزها؛ فنقولوا أكثر الكتب التي كانت بخزائن المدارس إلى بلادهم، ثم نقلوا كثيرًا من العلما، والأدباء، والأمراء, والمهندسين، والورّاقين، وأرباب الحرف، وقد ذكر ابن إياس أسماء كثير من هؤلاء، وقال: إنهم يبلغون ألفًا وثمانمائة، وصادفهم النحس, فغرقت بهم بعض السفن التي كانت تقلهم, فمات كثير منهم، مع أن ابن إياس١، أرَّخ لمصر حتى أوائل الاحتلال العثماني، ولم يشهد الاحتلال في أوج جبروته، وما جرَّه على البلاد من نكباتٍ.

وكان من نتائج هذا الاحتلال كذلك: أن قلت أموال الأوقاف التي كانت محبوسةً على العلماء وطلبة العلم، فتفرق الطلاب، وانفضت سوق العلم, ولم يبق منه إلّا ذماء يسير بالأزهر، ومن البديهيّ أن اللغة العربية لم تجد في هذا العصر المظلم من يشد أزرها، ويثيب الشعراء والكتاب المحتفين بها؛ لأن اللغة التركية طغت وصارت اللغة الرسمية في الدواوين، وفشت على ألسنة الناس، ولأن الحكام لا يفهمون العربية, ولا يقدرونها قدرها، ولا يميزون بين الجيد والغَثِّ من الكلام, حتى يلجأ إليهم الشعراء مادحين.

ولم يعد في استطاعة كثيرٍ من الكُتَّاب أن يسلموا من اللحن الفاحش، أو يأتوا بالمفهوم المقبول، بل عَزَّ عليهم اللفظ الجزل والأسلوب القويّ، فلجئوا للزخرف والمحسنات يخفون بها عوار كلامهم، وقد أكثروا من هذه الحلى اللفظية حتى استغلق الكلام، وأتوا بالغَثِّ السَّمَجِ الذي إن حَسُنَ فيه شيءٌ, كالسرقة واغتصابًا من آثار من سبقوهم من الكُتَّابِ.

وحسبنا أن نقدم بعض نماذج دليلًا على ما وصلت إليه اللغة وآدابها نثرًا ونظمًا من الركة والضعف.


١ هو ابن إياس الجركسيّ الحنبليّ, من رجال القرن التاسع والعاشر للهجرة، وله كتاب "بدائع الزهور في وقاع الدهور" دَوَّنَ فيه تاريخ مصر حتى سنة ٢٤٨هـ ١٥٢١م, ولغته ضعيفة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى.

<<  <  ج: ص:  >  >>