إن هذا ولا ريب تفكير مشرق، وقلب يتجه الاتجاه السليم, الذي يجب أن تسير فيه الأمة العربية منذ أن رأت الغرب الجشع يطمع، ويحد براثنه لينهشها الواحدة تلو الأخرى، ولو فعلت ذلك من أواسط القرن التاسع عشر ما أصابها اليوم ما أصابها.
وكان أديب ممن يعشق حرية الرأي وينادي بالدستور، وقد كتب مقالًا يرد فيه على الشيخ حمزة فتح الله, محرر جريدة "البرهان" في سنة ١٨٨١, حين دعا الشيخ إلى حكم الفرد يوم افتتاح مجلس النواب، فقال له أديب:
صفحًا لصرف الدهر عن هفواته ... إن كان هذا اليوم من حسناته
وكيف لا؟ وهو حاجة النفس, وأمنية القلب، منذ توجه الخاطر إلى السياسة الوطنية، وانصرف العزم إلى إحياء الهمم، وانعقدت النية على حفظ الحقوق، واتحدت الوجهة في القيام بالواجبات، وهو النشأة التي كست الوطن رداء الفتوة قشيبًا، وهو البنية التي غرست للأمة غصن الأمل رطيبًا، وهو ما رجوناه زمانًا, ودافعنا الزمن فيه، وتمنيناه أعوامًا, وغلبنا الحدثان عليه، فيها حسنه من يوم رد فائت البهاء، وأحيا مائت الرجاء، وأعاد شباب الأمة، وسدل ستور النعمة، وأظهرت مقاصد الأمير، وأيَّد مساعي الوزير، وقضى لبانات النبهاء، وحقق أماني النزهاء١".
وكان أديب مغرمًا بمصر، محبًّا لها حبًّا ملك شغاف قلبه، مثله في ذلك مثل الشدياق، ولا بدع, فقد آنته في غربته، وأعطته الحرية التي حرمها في وطنه، وأفسحت له مجال العمل، وقدرت جهده، حتى منحه الخديوي الرتبة الثالثة بيده، وأنزلت كفاءته منزلتها, فعينته في الوظائف الكبيرة، ثم إنها ملجأ الأحرار، وزعيمة الشرق العربيّ، ونهوضها -كما كان ذلك رأي أستاذه جمال الدين- نهوض للعرب أجمعين، وفي مصر يقول أديب: "ومصر، ولا حياء في الحب، بلد تركت فيه زهرة أيام الشباب، وخلفت غرس الآداب، وهززت غصن الأماني رطيبًا،