وحين تغيرت الأحوال في مصر, دُعِيَ إليها، وعُيِّنَ مديرًا لقلم الإنشاء والترجمة بوزارة المعارف، وسُمِحَ لجريدة مصر بالظهور، وشغل وظيفةً أخرى بجانب وظيفته الأولى؛ حيث عُيِّنَ كاتب سر مجلس شورى القوانين، وحين قامت الثورة العرابية واشتد لظاها, عاد إلى بيروت, ثم رجع إلى الإسكندرية، ثم اشتد به مرض الصدر، فعاد إلى لبنان؛ حيث مات بقرية الحدث بالقرب من بيروت, وهو في التاسعة والعشرين من عمره سنة ١٨٨٥, وهي قريبة من القرية التي دفن فيها أحمد فارس الشدياق، وهكذا جمع الموت بين علمين من أعلام النهضة الحديثة, ورواد الفكر والأدب الجديد.
وكان أديب إسحاق نارًا مسلطة على الاستعمار، والذل والعبودية، وقد التقى بجمال الدين فزادت حماسته واضطرمت النار في فؤاده، فأخرجها شواظًا ملتهبًا في كلماتٍ تصب الحمم على الأعداء، وتثير الهمم الفاترة. لقد نادى بوجوب اتحاد الأمم العربية، فسبق زمنه قرنًا, أو ما يقرب من قرنٍ، وفي ذلك يقول:"ما ضر زعماء هذه الأمة لو سارت بينهم الرسائل بتعيين الوسائل، ثم حشدوا إلى مكانٍ يتذاكرون فيه ويتحاورون، ثم ينادون بأصواتٍ متفقة المقاصد كأنها من فمٍ واحد, قد جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، وهبت الحاصبة، تليها العاصفة، فذرت حقوقنا فصارت هباءً منثورًا، ولمت بناء القارعة، ووقعت الواقعة، فصرنا كأن لم نغن بالأمس، ولم نكن شيئًا مذكورًا، فهل ننشد الضالة، ونطلب المنهوب، لا تقوم بأمر ذلك فئة بدون فئة، ولا نتعصب لمذهب دون مذهب، فنحن في الوطن إخوان، وتجمعنا جامعة اللسان، وكلنا وإن تعدد الأفراد إنسان.
أيحسبون أن ذلك الصوت لا يكون له من صدًى، أم يخافون أن يذهب ذلك الاجتهاديّ سدًى، أم لا يعلمون أن مثل هذا الاجتماع، منزهًا عن المقاصد الدينية، منحصرًا في العصبية الجنسية والوطنية، مؤلفًا من أكثر النحل العربية, يزلزل الدنيا اضطرابًا، ويستميل الدول جذبًا وإرهابًا، فتعود للعرب الضالة التي ينشدون، والحقوق التي يطلبون، ولا خوف على زعمائهم ولا هم يحزنون".