للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت فرقتهما التمثيلية من أوائل الفرق العربية, وعرف أديب رواية "شارلمان" وأعجب بها المصريون إعجابًا عظيمًا١ وألف رواية "غرائب الاتفاق".

وحَنَّ إلى الصحافة فذهب إلى القاهرة، واتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني, وأنشأ هو وصديقة سليم نقاش جريدة "مصر" سنة ١٨٧٧، وكانت أسبوعيةً، وقد تأثرا فيها بتعاليم جمال الدين الأفغاني, وأسلوبه الملتهب، أنشآها وهما مفلسان لا يملكان غير عشرين "فرنكًا" بيد أن أسلوبها وقوة بيانها، وجدة أفكارها، ودعوتها الجريئة للحرية، قد ضمنت لها الإقبال، والرواج، ورحَّبَ بها الذين يحبون القلم القويّ، والأسلوب الجزل, والأفكار الجريئة، واندفع كاتبها كالبركان يرسل نارًا، ونورًا، وينفس عن نفسه ما طالما كبت فيها وهو ببيروت، وما ذاقه وقومه من اضطهادٍ وظلمٍ على أيدي الأتراك، فحركت الهمم وأعادت للأسلوب الرفيع عزته.

وقد وجد أديب إسحاق, وسليم نقاش في رواج مصر, ما شجعهما على إصدار جريدة يومية سمياها "التجارة"، وكانت لا تقل عن أختها حماسةً وقوةً، ونشر فيها جمال الدين الأفغاني بعض المقالات، تارةً ممهورة بتوقيعه، وتارة بتوقيع مستعارٍ، وقد ألغاهما رياض باشا سنة ١٨٨٠.

ولكن ذلك لم يثن من عزيمة "أديب إسحاق" فهاجر إلى باريس، واستأنف جهاده, وإصدر ثمة جريدة "القاهرة" بالعربية, وقال في مقالها الأول: "ما تغيرت الحقيقة بتغير الاسم، بل هي مصر خادمة مصر".

وقد حرص في أثناء مقامه بباريس على معرفة عدد كبير من ساسة فرنسا وعلمائها, حتى روى فيكتور هوجو أنه قال لمن كانوا في حضرته، على أثر انصراف أديب: "هذا نابغة الشرق", ولكن برد باريس، وإسرافه على نفسه في كل شيء, قد جنى على صدره، فرجع إلى لبنان ملتمسًا الشفاء، وعاد إلى تحرير جريدة "التقدم" مرة أخرى.


١- M. Sapry: La Genese de L. Esprit National Egyption p١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>