٥- وأنشأ بعض الأقباط بمصر في سنة ١٨٧٧، جريدة "الوطن"، وكانت سياسيةً وطنيةً تميل إلى التحرر, ثم نزح عقب حوادث سنة ١٨٦٠, في سوريا١ جماعةٌ من الأدباء الذين فروا بحريتهم من الاضطهاد، وجاءوا وقلوبهم تغص بالحقد والإحن على تركيا، وفي نفوسهم ميل إلى الحرية, والتنفيس عن الآراء المكبوتة, وقد شجعهم إسماعيل على الإقامة بمصر، والإسهام في نهضتها، ولا نستطيع أن ننكر ما أسدوه للصحافة ولنشر الثقافة من خدمات.
ومن أوائل الذين وفدوا إلى مصر عقب هذه الحوادث الدامية:
أديب إسحق:
وهو فلتة من فلتات الزمن, استطاع مع حداثة سنه أن يتوهج في سماء الأدب والسياسة والخطابة نجمًا ساطعًا، وأن يكون مدرسةً إنشائيةًَ يحتذيها الأباء والخطباء، وكان من الذين امتلأ قلوبهم بحب مصر والشرق، ورأى الأجانب الطامعين، والمرتزقة والأفاقين، فأضرمها عليهم نارًا مشبوبة، لا تخمد لها جذوةٌ في كل مكان حلَّ به، وقد ارتحل وشُرِّدَ في سبيل مبدأه, وفيض وطنيته, وحرارة أسلوبه, حتى احترق صغيرًا ومات, ولما ينته العقد الثالث من عمره.
ولد أديب إسحق سنة ١٨٥٦, من أبوين سوريين, ونشأ بلبنان، وتعلم العربية والفرنسية في مدرسة الآباء العازاريين، واضطر إلى الكدح في سبيل بريد بيروت, وقد ظهرت ميوله الأدبية في حداثته, فعهد إليه وهو في السابعة عشرة بتحرير جريدة "التقدم".
وكان إلى عمله الصحفيّ يترجم عن الفرنسية ويؤلف، وانتمى إلى جمعية "زهرة الآداب", ثم صار رئيسًا لها فيما بعد, وقد ترجم "أندروماك" لراسين، وساعد صديقه "سليم نقاش" في تأليف المسرحيات، وتمثيلها، ولحق به في الإسكندرية.
١ في هذه السنة زاد اضطهاد الأتراك لمسيحي سوريا، وقامت مذابح في جبل لبنان, ذهب ضحيتها عدد كبير من المسيحيين, واضطر كثير من سكان القرى بجبل لبنان إلى الهجرة, وذلك لأن نصارى الشام قد أظهروا ولاءهم لإبراهيم باشا, وكرههم للحكم التركي أيام وجوده بينهم, فلما سحبت الجيوش المصرية ظلوا على ولائهم لمصر, فانتقم الأتراك منهم شر انتقام.