للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإهمال لآثار مصر أنه لم يعرج على التاريخ المصري القديم، ولكن عبد المطلب -والحق يقال- كان عربيًّا مسلمًا؛ ولذلك وقف بعض الوقفات أمام أحداث التاريخ الإسلامي كما سيأتي عند الكلام عن أثر الدين في شعره.

على أن الشاعر المكتمل الشاعرية، القوي الإحساس بالجمال والعظمة لا يملك حين يرى الطبيعة في أوج حسنها، أو عنفوان سخطها إلا أن يتأثر وينفعل ويقول، كما لا يملك حين يفكر مليًا في عظمة آثار مصر، وكيف شيدت، وغالبت الدهر، ومرت عليها أحداث القرون في مواكب متتابعة ومصر الخالدة بنيلها وآثارها لم تتأثر بتلك الأحداث لا يملك حين يفكر في كل هذا إلا أن تتفتح أمامه مغاليق المعاني، ويسبح في سموات الخيال. ولعل العلة الحقيقية في عزوف كثير من شعراء الجيل الماضي عن وصف الطبيعة واستلهام التاريخ هي أنهم جروا في أغراض الشعر على مذهب الأقدمين، وشغلوا بأنفسهم عن العالم الخارجي، وكانوا ذاتيين لا موضوعيين، فجنى عليهم التقليد، وحبس شاعريتهم عن الانطلاق إلى آفاق جديدة إلا القليلين منهم.

هذا ومن الأغراض الشعرية التي عنى بها عبد المطلب الحياة الاجتماعية بمصر. وقد سبق أن أشرنا إلى مواقفه من مشكلة الفقر والغنى١ وأنه اكتوى بنار العوز إبان الحرب العالمية الأولى، وكان من الطبقة المتوسطة في الشعب لم يرث مالًا، أو يحرز ثراء فلمس بنفسه ألم الحاجة، وكان من الكادحين في سبيل الرزق فعرف عن قرب مرارة الفقر والحرمان.

ولعبد المطلب فيما يتصل بهذه الناحية عن قرب قصة طريفة لامرأة فقيرة عجوز جاءت وابنتها إلى القاهرة تبحت عن عمل يكفيها شر السؤال، وكانت هذه أول مرة تفد فيها إلى القاهرة، فما أن نزلت ميدان "باب الحديد" حتى بهرتها الأضواء والضوضاء وتعدد السبل فوقفت حائرة برهة ولكن عين الشيطان كانت ترقبها، فما أن لحظ ترددها وهيبتها حتى دلف إليها في صورة ملاك يتقدم للأخذ بيدها،


١ راجع ص١٩ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>