وإرشادها إلى سواء السبيل، فأقبلت عليه بوجه باش تبثه خبيئة نفسها، وهو يبدي لها صنوف العطف والرحمة ما ألهج لسانها بالدعاء له، ولما رآها قد أمن جانبه قليلًا أخذ ينصب حبائله للظفر بالفتاة، بيد أن الأم التي نشأت في الريف، ولها طبيعة لم تتدنس، ارتابت في حركاته، وتودده لابنتها، وما أن تيقنت من كيده، ورأت بعين فطرتها الأخيرة أنه شيطان مريد، حتى حذرته، وخشيت سطوته، وأخذت تقاوم ألاعيبة وكيده، وهو يلين تارة ويشتد أخرى، ولم ينقذها طيب المأوى والرفد والعناية، ولأسمعك بعض هذه القصة؛ لأنها تدل على موهبة طيبة عند عبد المطلب في حياكة القصة شعرًا لو كان قد عنى بهذا واتجه إليه، وإن كان قد ساق هذه القصة بأسلوبه الجزل القوي ولم ينح عنها خياله البدوي:
أسألت باكية الدياجي ما لها ... أرقت فأرقت النجوم حيالها