وإخلاصي له فرجع سموه إلى جميل رعايته وعنايته، وأهداني صورته موقعًا عليها بخطه الكريم إظهارًا لثقته ورضاه".
وفي سنة ١٨٩٧ أنعم عليه السلطان عبد الحميد بمداليتي الامتياز الذهبية والفضية. وفي سنة ١٩٠٠ أنعم عليه بمدالية اللياقة الذهبية، وعلى والدته بنيشان الشفقة المرصع من الدرجة الأولى. وفي سنة ١٩٠٣ أعاد له الخديو عباس نقابة الأشراف. ومكث مدة يتولى هذا المنصب حتى مرض، ثم بعد ذلك يسكت البكري فلا يحدثنا عما انتابه، ولا يظهر السبب في مرضه١، ولكن يظهر أنه لما وفد البكري على السلطان عبد الحميد ومنحه تلك الأوسمة نَمَّ إلى الخديو عباس أن البكري قال: "لن يظفر سمو الخديو بالإنعام على رتبة الوزارة العلمية على مصر غيري" فغضب الخديو، وأنعم بالنيشان العثماني الأول على الشيخ الإنبابي شيخ الأزهر، وعلى المفتي، وعلى الشيخ محمد العباسي المهدي، وعلى قاضي القضاة جمال الدين أفندي، ثم أرسل إلى السلطان ملتمسًا الإنعام على شيخ الأزهر والمفتي برتبة الوزارة العلمية وهي قضاء عسكر الأناضول، وعلى القاضي برتبة قضاء عسكر الرومللي، فلم يصادف طلبه قبولًا.
وكان إخفاق الخديوي مضاعفًا لغضبه، فتوعد البكري، وبلغ البكري هذا الوعيد فأزعجه، واستولى عليه الهم حتى خيل إليه أن أعوان الخديو يطاردونه لقتله، فلجأ إلى إحدى حجرات بيته، ولزمها، وامتنع عن الزوار، حتى لم يعد أحد يطرق بابه إلا لماما. وكان البكري يبعث في أثناء ذلك برسائله إلى المحافظة، وإلى النائب العام، وإلى رئيس النظار يستنجدهم ويطلب حمايتهم ولما لم يجده ذلك نفعًا، ذهب الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد -وكان من خلصاء البكري- إلى الخديو عباس يتوسل إليه أن يصفح عن البكري، ثم أطلعه على ما صار إليه أمره من سوء.
وأمر عباس رئيس ديوانه أحمد شفيق باشا أن يذهب إلى البكري ويبث في روعه الأمن، ولكن الداء كان قد استحكم، والمرض قد استعصى على العلاج. وبعد سنوات ثلاث قضاها في آلام حتى لا يكاد يرشد، نقل إلى مصحة العصفورية
١ يظهر أن هذه المحنة لم تشتد إلا في سنة ١٩٠٩ لأنه ظل في قواه العقلية الكاملة حتى سنة ١٩٠٦ حين كتب الرسالة المفتوحة لولي عهد إنجلترا لما زار مصر، وذكر في تاريخ مرضه أنه مكث سنوات حتى أرسل إلى العصفورية سنة ١٩١٢.