إنه صور الآفات الاجتماعية التي تفتك بهذه الأمة المسكينة وهي الفقر والجهل والمرض، وعرض في إيجاز أدبي مشكلة التشرد والبؤس، ووازن بين الفقيرة الكادحة في سبيل العيش والفاجر التي تتحلى بالدر، وتنتعل الذهب، وذكر أن هذه حال تطرف العيون وتثير الشجون.
ويطول بنا المقام لو تتبعنا البكري في كل موضوعاته الطلية، وأوصافه المبتكرة، ولكنا نرى أنه حقًّا شاعر في نثره، لولا أنه كان متزمتًا، مؤثرًا للغريب وإيراد الأمثلة القديمة، والإشارات التاريخية والأدبية، ولو لم يتكلف السجع، ويتنكر للطبع لكان البكري في مقدمة أدباء جيله، وقد علق الأستاذ العقاد على نثر البكري بقوله:"وفي هذه الفقرات وفي أمثالها من نثره المجود موضوعات شعر، ولفتات شاعر، ولكن الصدمة أفسدت الطبيعة، والمحفوظ جنى على الملحوظ، أَوْلَكَ أن تقول إنك تلمح هنا مجس شاعر يضرب مواضع الماء في الأرض، ولكنه يقف عند حجارة من التقليد، ولا ينفذ بعدها إلى النبع المخبوء على مدى أصبعين من مجسه":
ويقول عن أدبه شعره ونثره:"وأحسب أن القارئ قد تبين أن الشعر عن البكري كان مسألة إحساس مرهف وشاعرية مطبوعة، وقد تقصر هذه الشاعرية فلا توفى على الغاية، أو تطفو فلا تتغلغل إلى الأعماق بيد أنها من معدن الفن ولبابه. إن القديم كان يستولي من البكري على جانب التعليم والقصد والتكلف والصناعة فيه، وإن الحديث كان يستولي منه على الإحساس والسجية وما يصدر عن النفس بلا كلفة ولا إرادة"١.