للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربوا في حجر الاستبداد، وعلى الرغم من تحريضه لهم على الثورة١؛ لأن غايته كانت سياسية، وإن كان بعض تلاميذه قد تأثر بدعوته إلى الإصلاح الاجتماعي، مثل عبد الله نديم، ونادى في جرتدته "التنكيت والتبكيت" بإصلاح المفاسد الاجتماعية، ولكن آراءه لم تبلغ في جرأتها، وتقدمها نحو المساواة الحقيقية بين طبقات الأمة مثل آراء توفيق البكري، وإن لم يكن لها الصدى الذي تستحقه؛ لأن الأسلوب الذي صيغت فيه يعلو على مستوى أبناء الخاصة وجمهور العامة في ذياك الوقت.

لقد ابتدأ حديثه عن العامة بتقريره أنهم أصحاب السلطان الحقيقي وأنهم أشبه بسيد مأسور والإخشيد في يد كافور، فالإخشيد هو الملك الشرعي وكافور هو الملك الفعلي، وأنهم أشبه بيتيم غني في يد وصي يستبيح ماله وينهب حقوقه من غير أن يراعي في هذه الحقوق إلا أو ذمة، ويصور هذا الغيظ الذي يضطرم في نفوس العامة من الشعب، ولكنه أشبه بغيظ الأسير المغلول اليد، لا يستطيع إلا أن يغتاظ من غير أن يحطم قيده، ثم يبدى رأيًّا جريئًا، تنادى بها الشعوب الحية اليوم: إذا كان حكام الأمة لا يولونها عناية أو رعاية فعلام يدفع الناس الجزية والضرائب؟ إنه تمرد على الظلم، وحث على الإصلاح، ثم يقتبس بيت أبي العلاء المعري الذي يقرر فيه أن الحكام هم أجراء لدى الأمة، ومع ذلك يظلمونها وهذا أعجب العجب.

ويعقد موازنة بين هذه الفئة القليلة من الأغنياء التي تبعثر على موائد الفساد ما جمع هؤلاء المساكين في حمارة القيظ وصبارة الشتاء، وهم يبيتون على الطوى، وأبناؤهم يتضاغون من المسغبة والفاقة، ويتضورون من الجوع والعري، ويتلوون من السقام والأوصاب وله في غير هذا الموضع بيتان صور فيهما العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر:

حمق الألى يحكمون الناس يضحكني ... وسوء فعلهم في الناس يبكيني

ما الذئب قد عاث بين الضأن أفتك من ... هذي الولاة بهاتيك المساكين


١ انظر الأدب الحديث ج١ ص٢٤٣ ط سابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>