للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"قد التزمت لهذا المطلب أسلوب التقرير، وعدلت فيه عن منهج الخطابة الشعرية، لاعتقادي بأن الأسلوب الخطابيّ، وإن كان أسرع تأثيرًا في القلوب, وأحسن وقعًا في الأذهان، إلّا أنه قد يميل بالكاتب إلى جانب التخيل الوهميّ في مكان التقرير العلميّ، فيرتفع بيانه عن المدراك التي سيقت إليها الملكات الحسية، فلم يبق بها من محلٍّ لملكة الخيال المسماة شعرًا، فيفوت الغرض المقصود من البيان والبلاغة، وهو تقرير المعاني في الأفهام، من أقرب وجوه الكلام، ولهذا سأرسل فيه الكلام إرسال مقرر مبين، ولا أتكلفه تكلف منمق مزين، فإن أحكام التقرير منافية لهذا التمويه الذي يسمونه بديعًا".

ويقول: "النثر هو الكلام المطلق المرسل عفو القريحة بلا كلفة ولا صنعة, إلّا ما يكون من وضع الكلام في مواضعه، وإيثار ما يألفه السمع والطبع منه، فهو من هذا الوجه مقدَّمٌ على سائر أنواع الكلام، بل هو الأصل في الإنشاء، وما سواه فرع منه، فإنه طبيعيّ أصيلٌ، وما دونه صناعيٌّ حادثٌ، والأصل في الطبيعة لا محالة، يدل على ذلك أن هذا الكلام المقفى الذي يسمونه سجعًا لا يكاد يوجد في غير اللسان العربيّ، فلو كان طبيعيًّا لوجب أن يكون في جميع اللغات، أو في المعدودة منها أصولًا على الأقل١".

٣- ويقول السيد عبد الله النديم, في العدد الأول من جريدة "التنكيت والتبكيت"٢.

"إليكم يراعي فاستخدموه في مقترحات أفكاركم العالية، وصحيفتي فاملئوها بآدابكم المألوفة، وبدائعكم الرائقة، فاليراع وطني يخاطب القوم بلغتهم, ويطيعهم فيما يأمرون به، والصحيفة عربية، لا تبخل بالعطاء، ولا ترد الهدية، وأنتم كرام اللغة وأخوان الوطنية، فشدوا عضد أخيكم بالقبول والإغضاء عن العيوب، وساعدوه بأفكار توسع دائرة التهذيب، وتفتح أبواب الكمال، وكونوا معي في المشرب الذي التزمته, والمذهب الذي انتحلته: أفكار تحليلية، وفوائد


١ مجالي الغرر ج٢ ص٦.
٢ صدرت سنة ١٨٨١, وراجع سلافة النديم ص٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>