للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحار المرء في تحليل هذا الاتجاه الذي انحرف إليه عثمان جلال، وإيثاره اللغة العامية مع تمكنه من اللغة الفصحى، أما الدكتور طه حسين: فيرى أن ذلك لضعفه في اللغة العربية, وذلك حين يقول: "فأخذ الذوق يتغير، وكان تغيره قويًّا، ظهر في مظهرين مختلفين، أحدهما: إيثار اللغة العامية على لغة الأدب العصريّ، والآخر: إيثار اللغة القديمة، والأساليب القديمة على لغة العصر وأساليبه، ورأينا رجلًا كعثمان جلال قد أعجبه الأدب الفرنسيّ, وأراد أن ينقل إلى قومه صورًا منه، ولم يكن من الأدب القديم على حظٍّ قويٍّ، ورأى أن الأدب العصريَّ أدنى إلى الموت من أن يحتمل هذا الأدب الفرنسيّ، فيترجم لقومه، أو قل: ينقل إلى قومه تمثيل موليير في الزجل العاميّ, لا في الشعر العربيّ١".

على أن هذا الكلام على ما به من وجاهةٍ لا يؤخذ على إطلاقه، فمحمد عثمان جلال قد ترجم "بول وفرجيني" كما سنذكر فيما بعد, بأسلوب عربيٍّ فصيحٍ، كما قال كثيرًا من الشعر باللغة الفصحى، فهو لم يكن بهذه المنزلة من الضعف اللغويّ حتى يعجز عن ترجمة أمثال لافونتين، وهزليات موليير، ومآسي راسين, ويضع رواية باللغة العامية.

ولعل من الأسباب غير ما ذكره الدكتور طه حسين، عِظَمِ تأثره بالروح المصرية في كل شيء، وتعصبه للهجة العامية التي هي لغة جمهرة الشعب، وقد يكون ذلك لغرض تجاريٍّ بحت؛ إذ لم يجد الأدب الرفيع سوقًا رائجةً, فأقبل على التحدث إلى جمهرة الشعب باللغة التي يفهمونها لعلهم يقبلون على كتبه، وليس أدل على رواج هذه الكتب التي تكتب بالعامية من قول الشيخ محمد عبده، "ومنها الكتب المضرة بالأدب والأخلاق، كتب الأكاذيب الصرفة، وهي ما يذكر فيها تاريخ أقوام على غير الواقع، وتارةً تكون بعبارةٍ سخيفةٍ مخلةٍ بقوانين اللغة، ومن هذا القبيل كتب أبو زيد وعنترة العبسيّ، وإبراهيم بن حسن، والظاهر بيبرس، والمشتغلون بهذا القسم أكثر من الكثير، وقد طبعت كتبه مئات المرات, ونفق سوقها، ولم يكن بين الطبعة والثانية إلّا زمن قليل٢".


١ حافظ وشوقي ص٤.
٢ تاريخ الأستاذ محمد عبده, لمحمد رشيد رضا, ص٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>