بن أبي حاتم وأبي بكر الخلال، وأبي الحسن البناني الأصهباني وأمثال هؤلاء، ومن كان أيضاً يأتم به وبأمثاله من الأئمة في الأصول والفروع كأبي عيسى الترمذي صاحب الجامع وأبي عبد الرحمن النسائي وأمثالهما، ومثل أبي محمد بن قتيبة وأمثاله، وبسط هذا له موضع آخر، وقد ذكرنا في المسائل الطبرستانية والكيلانية بسط مذاهب الناس وكيف تشعبت وتفرعت في هذا الأصل.
والمقصود هنا أن كثيراً من الناس المتأخرين لم يعرفوا حقيقة كلام السلف والأئمة، فمنهم من يعظمهم ويقول إنه متبع لهم مع أنه مخالف لهم من حيث لا يشعر، ومنهم من يظن أنهم كانوا لا يعرفون أصول الدين ولا تقريرها بالدلائل البرهانية وذلك لجهله بعلمهم بل لجهله بما جاء به الرسول من الحق الذي تدل عليه الدلائل العقلية مع السمعية، فلهذا يوجد كثير من المتأخرين يشتركون في أصل فاسد، ثم يفرع كل قوم عليه فروعاً فاسدة يلتزمونها كما صرحوا في تكلم الله تعالى بالقرآن العربي وبالتوراة العبرية وما فيهما من حروف الهجاء مؤلفاً أو مفرداً لما رأوا أن ذلك بلغ بصفات المخلوقين اشتبه بصفات المخلوقين، فلم يهتدوا لموضع الجمع والفرق، فقال هؤلاء: هذا الذي يقرأ ويسمع مثل كلام المخلوقين فهو مخلوق وقال هؤلاء: هذا الذي من كلام الآدميين هو مثل كلام الله فيكون غير مخلوق، كما ذكر ابن عقيل في كتاب الإرشاد عن بعض القائلين بأن القرآن مخلوق فهو شبهة اعترض بها على بعض أئمتهم فقال: أقل ما في القرآن من إمارات الحدث كونه مشبهاً لكلامنا، والقديم لا يشبه المحدث، ومعلوم أنه لا يمكن دفع ذلك، لأن قول القائل لغلامه يحيى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة، يضاهي قوله سبحانه، حتى لا يميز السامع بينهما من حيث حسه، إلا أن يخبره أحدهما بقصده والآخر بقصده، فيميز بينهما بخبر القائل لا بحسه، وإذا اشتبها إلى هذا الحد فكيف يجوز دعوى قدم ما يشابه المحدث ويسد مسده، مع أنه إن جاز دعوى