للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدم الكلام مع كونه مشاهداً للمحدث جاز دعوى التشبيه بظواهر الآي والأخبار، ولا مانع من ذلك، فلما فزعنا نحن وأنتم إلى نفي التشبيه خوفاً من جواب دخول القرآن بالحدث علينا، كذلك يجب أن تفزعوا من القول بالقدم مع وجود الشبه، حتى إن بعض أصحابكم يقول لقوة ما رأى من الشبه بينهما أن الكلام واحد والحروف غير مخلوقة، فكيف يجوز أن يقال في الشيء الواحد إنه قديم محدث.

قلت: وهذا الذي حكى عنه ابن عقيل من بعض الأصحاب المذكورين منهم القاضي يعقوب البرزيني ذكره في مصنفه فقال: دليل عاشر، وهو أن هذه الحروف بعينها وصفتها ومعناها وفائدتها هي التي في كتاب الله تعالى وفي أسمائه وصفاته والكتاب بحروفه قديم، وكذلك ها هنا، قال: فإن قيل لا نسلم أن تلك لها حرمة وهذه لا حرمة لها، قيل: لا نسلم بل لها حرمة.

فإن قيل: لو كان لها حرمة لوجب أن تمنع الحائض والنفساء من مسها وقراءتها، قيل: قد لا تمنع من قراءتها ومسها ويكون لها حرمة كبعض آية لا تمنع من قراءتها ولها حرمة وهي قديمة، وإنما لم تمنع قراءتها ومسها للحاجة إلى تعليمها كما يقال في الصبي يجوز له مس المصحف على غير طهارة للحاجة إلى تعليمه.

فإن قيل: فيجب إذا حلف بها حالف أن ينعقد يمينه وإذا خالف يمينه أن يحنث، قيل له: كما في حروف القرآن مثله نقول هنا.

فإن قيل: أليس إذا وافقها في هذه المعاني دل على أنها هي، ألا ترى أنه إذا تكلم متكلم بكلمة يقصد بها خطاب آدمي فوافق صفتها صفة ما في كتاب الله تعالى مثل قوله: يا داود، يا نوح، يا يحيى، وغير ذلك فإنه موافق لهذه الأسماء التي في كتاب الله وإن كانت في كتاب الله قديمة وفي خطاب الآدمي محدثة؟ قيل: كل ما كان موافقاً لكتاب الله من الكلام في لفظه ونظمه وحروفه فهو من كتاب الله وإن قصد به خطاب آدمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>