للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجب على الإنسان في مسألة الكلام أن يتحرى أصلين: أحدهما تكلم الله بالقرآن وغيره، هل تكلم به بمشيئته وقدرته أم لا؟ وهل تكلم بكلام قائم بذاته أم خلقه في غيره؟ والثاني بتبليغ ذلك الكلام عن الله وأنه ليس مما يتصف به الثاني وإن كان المقصود بالتبليغ الكلام المبلغ، وبسط هذا له موضع آخر.

وأيضاً فهذان المتنازعان إذا قال أحدهما إنها قديمة وليس لها مبتدأ وشكلها ونقطها محدث، وقال الآخر: إنها ليست بكلام الله وإنها مخلوقة بشكلها ونقطها، قد يفهم من هذا أنهما أرادا بالحروف الحروف المكتوبة دون المنطوقة، والحروف المكتوبة قد تنازع الناس في شكلها ونقطها، فإن الصحابة لما كتبوا المصاحف كتبوها غير مشكولة ولا منقوطة لأنهم إنما كانوا يعتمدون في القرآن على حفظه في صدورهم لا على المصاحف، وهو منقول بالتواتر محفوظ في الصدور، ولو عدمت المصاحف لم يكن للمسلمين بها حاجة، فإن المسلمين ليسوا كأهل الكتاب الذين يعتمدون على الكتب التي تقبل التغير، والله أنزل القرآن على محمد فتلقاه تلقياً وحفظه في قلبه، لم ينزله مكتوباً كالتوراة، وأنزله منجماً مفرقاً ليحفظ فلا يحتاج إلى كتاب، كما قال تعالى: " وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " الآية، وقال تعالى: " وقرآناً فرقناه " الآية، وقال تعالى: " ولا تعجل بالقرآن " الآية. وقال تعالى: " إن علينا جمعه وقرآنه " الآية وفي الصحيح عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: أنا أحركهما لك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحركهما؛ فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " قال جمعه في صدرك ثم تقرأه " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " قال: فاستمع له وأنصت " ثم إن علينا بيانه " أي نبينه بلسانك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه، فلهذا لم تكن الصحابة ينقطون

<<  <  ج: ص:  >  >>