للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابن دريد مذهب غريب في رؤيته لأصول الألفاظ، وهو أنّه يعدّ هاء التّأنيث (تاء التّأنيث) من أصول الكلمة كما تقدّم في المبحثين الثّاني والثّالث من الفصل الثّاني، وهذا مذهب فاسد في الصّنعة المعجميّة، نتج عنه خلل ظاهر في الأصول. ولهذا اتَّهَمَ عبدُالقاهر الجرجانيُّ ابنَ دريد بالجهل بأصول الألفاظ، وبأنّ تصريفه كتصريف الصبيان (١) ؛ لأنّه ذكر ((لَثَة)) في تقليبات ((ثهلان)) (٢) و ((رِعَة)) في تقليبات ((عاهر)) (٣) مع اختلاف الأصول.

فهل كان ابن دريد يجهل أنّ هاء التّأنيث لا تكون أصلاً من أصول الكلمة، فاختلط عليه أمرها؟

لا، ليس الأمر كذلك، فإنّ زيادة هذا الحرف في الكلمة أمر لا يخفى على المبتدئين، فكيف يخفى على لغويّ مقتدر كابن دريد؟

لقد تعمّد ابن دريد إدخال هاء التّأنيث في أصول الكلمة عند التقليب، فكان صنيعه ذلك ناشئاً عن قصد، وهو أنّه ينظر إلى الكلمة، فإن كان لها مذكر من لفظها لم يعدّ الهاء من أصولها، وإن لم يكن لها مذكر من لفظها عدّ الهاء من أصولها؛ لأنّها كالحرف اللازم في الكلمة، فالتّاء في ((البَكْرَة)) -وهي الفَتِيّ من الإبل- ليست لازمة لها، لأنّه يقال للمذكّر ((بَكْر)) فلذلك ذكرها ابن دريد في مادّة (ب ك ر) (٤) .وأمّا ((الجَمْحَة)) وهي العين، فالهاء فيها لازمة، فلا يقال: ((جَمْح)) ولذلك ذكرها في الرّباعيّ (ج م ح هـ) (٥) .

فالعبرة عنده بلزوم الحرف وبقائه في الكلمة، وكذلك يفعل فيما فيه زوائد لازمة غير الهاء، كما سيأتي.

ولم يتركنا ابن دريد نستنتج ذلك فنصيب أو نخطئ،.ولكنّه نصّ عليه في غير موضع من معجمه، كقوله في باب الرّباعيّ: ((القِرْبة: معروفة، وليس لها مذكر، ولذلك أدخلناها في الرّباعيّ مع هاء التّأنيث)) (٦) .

وقوله: ((حَرْدَة: اسم موضع، وهذه الهاء هاء التّأنيث، وليس له مذكر في معناه، فاستجزنا إدخاله في هذا الباب)) (٧) أي في الرّباعيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>