والقصيدة التي منها هذه الأبيات تسير على هذا النمط. فهي تمجد حياة الجاهلية وترى أن أيامها أحسن حالاً من أيام الإسلام فقد أخذ يتحسر على الماضي ويرى أن أيامه فيها لن تعود، فقد مضت ومضى معها أشراف الناس ومضى ابن مقبل يعبر عن قلقه، ويرى نفسه أصبح غريباً يعيش في مجتمع غريب عنه، له مُثل وقيم تختلف عن مُثل الجاهلية وقيمها يقول في هذا المعنى (١٤) : [الطويل]
فَمَا نحْنُ إلا من قُرُونٍ تُنُقّصَتْ
بأصْغَر مما قد لقيِتُ وأكْبَرا
لقد كان فينا من يحُوطُ ذماَرنَا
ويُحْذِي الكمِيّ الزاعبيّ المؤُمّرا
لقد كان ابن مقبل، وهو يتباكي على أهل الجاهلية، ويتحسر ويتفجع على أهلها، يعيش صراعاً في نفسه بين قديمه البالي وجديده المشرق وهو بهذا لا يخفي تبرمه وضجره من التغير الذي حدث بعد الإسلام وذلك قوله (١٥) : [الطويل]
أَلهْفِي على عِزٍ عزيزٍ وظِهْرَةٍ
وظِلّ شَبابٍ كنتُ فيه فأدْبَرا
وَلهْفِي على حَييّ حُنَيْفٍ كِلَيهِمَا
إذا الغيثُ أمسَى كابَي اللون أغْبَرا
ويرى الدكتور عزة حسن أن بكاء الجاهلية وذكر أيامها والشعور بالغربة في الإسلام ظاهرة غريبة لا نراها عند غير ابن مقبل من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام.