ويفسر هذه الظاهرة بقوله:((إن ابن مقبل عاش طويلاً في الجاهلية، وانقضت أيام شبابه في بيئة البادية القائمة على حرية الفرد وانطلاقه من القيود والارتباطات وما يتبعها من أعراف وعادات وتقاليد قبلية كانت سائدة في البادية منذ أقدم الأزمان. فطبعت نفسه على مُثُل هذه البيئة، وتملكته أعرافها وأنماط الحياة فيها، فارتبط بها ارتباطاً لا ينفصم. فلما جاء الإسلام بفكرته الجديدة ومُثله التي لا عهد للعرب بها، ولا سيما الأعراب منهم، بشرائطها ودقائقها، لم يستطع ابن مقبل وكثيرون غيره من سكان البادية أن يوفقوا بين حياتهم القديمة التي ألفوها وبين حياتهم الجديدة التي طرأت عليهم بظهور الإسلام. بل لم تعجبهم هذه الحياة، ولم يُسْلِسُوا لها قيادهم في سهولة ويسر في أول الأمر، لأن أنماط حياتهم القديمة كانت قد ثبتت في أعماق نفوسهم، ولم يكن من السهل عليهم أن ينتقلوا انتقالاً من طور إلى طور، بين يوم وضحاه، وأن يبدلوا أفكاراً ومبادئ بأفكار ومبادئ أخرى، كما يخلع الإنسان عنه ثوبا قديماً بالياً ليلبس بدلاً عنه ثوباً جديداً قشيباً.
هذا هو السبب، فيما أرى، في غربة ابن مقبل وأضرابه في بيئة الإسلام الجديدة، وحنينه إلى أيام الجاهلية. يضاف إلى ذلك أن الإسلام فرق بين ابن مقبل وبين زوجه “ الدهماء ” التي كان ورث نكاحها عن أبيه في الجاهلية. ويبدو أن ابن مقبل كان يعشق “ الدهماء ”، لأنه ما فتئ يذكرها في شعره بعد أن فرق بينهما الإسلام)) (١٦) .