للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن مرحلة التحول من عهد الجاهلية إلى الإسلام كانت بالغة القصر إذ ما قيست بالتحولات الكبيرة والمتلاحقة التي أصابت المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى وهي أن الأعراب في البوادي كانوا أقل تأثراً بالإسلام من أهل الحواضر، وذلك ناتج كما أشرنا من قبل إلى طبيعة حياة الأعراب. فقد أسلموا متأخرين ولم يواجهوا منذ البداية عبء الاتصال بقيم الإسلام ومُثُلِه التي أحدثها في نفوس أتباعه من الرعيل الأول. ولهذا لم يتمكنوا من فهم الإسلام وما حمله من مظاهر التغير في الطباع والأخلاق والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية. كما أنهم لم يتعمقوا أسرار الدين وشرائعه كشعراء الحضر الذين آمنوا بالإسلام منذ البداية وشاركوا مشاركة مباشرة بنشر قيمه ومبادئه. وإذا كان شعراء الحضر من أمثال: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك ممن عاشوا الجاهلية والإسلام واتصلوا بأحداثهما قد استطاعوا أن يلائموا بين ماضيهم وحاضرهم. ولم يكن إدراكهم لعصر الجاهلية ليحول بينهم وبين التكيف مع مظاهر التغيير التي حملها الإسلام، فقد أحسنوا التعبير عنه وعن قيمه وقضاياه، أما شعراء الأعراب من أمثال الحطيئة وابن مقبل وأضرابهما، فقد ظل شعرهم جاهلياً. ولم يكن إسلامهم ليغير كثيراً من طباعهم وأخلاقهم. وإذا كان ابن مقبل وغيره من شعراء الأعراب قد أخفقوا في مواجهة المتغيرات الجديدة التي جاء بها الإسلام , ولم يستطيعوا الوصول إلى معادلة جديدة ينفذون من خلالها إلى فهم المستجدات التي طرأت على حياة العرب بعد الإسلام، فهذه الظاهرة عند ابن مقبل يفسرها الدكتور عزة حسن بقوله: ((وليست حال ابن مقبل وجيله بدعة بين الحالات. فهذا الاضطراب والقلق والرجوع إلى القديم والحنين إليه شعور عام يشعر بن كل جيل اعتاد نمطاً من الحياة، وثبت عليه أمداً طويلاً، ثم اضطر أن يتخلى عنه دفعة واحدة، ويعتاد نمطاً آخر

<<  <  ج: ص:  >  >>